إيران الربيعي

لعبت إيران دوراً مقلقاً في المنطقة العربية، نتج عنه سيطرتها شبه الكاملة على قرار أربع عواصم عربية، ولم يتردد ملاليها من الإشادة بذلك من فوق المنابر. لكن من جانب آخر، يرى البعض أن الخلاف معها تحوّل، مع الوقت، إلى عداء غير مبرر، وأخذ منحى طائفياً حاداً، وزاد من أوار عداء الطرفين بعضهما لبعض جهلهما ببعضهما، تشهد على ذلك خلو مناهج مدارس الطرفين، ووسائل إعلامهما من أي شيء تقريباً عن الآخر. ولو قارنا نسبة العرب الذين يقومون بزيارة إيران سنوياً، لغير الأمور الدينية، لوجدناهم بالآلاف، مقارنة، مثلاً، بعشرات الملايين الذين يزورون تركيا، وأسباب ذلك عديدة!

في دراسة جادة قام بها الباحث العراقي فاضل الربيعي، وسبق للزميل عبدالغني سلامة أن تطرق لها قبل 10 سنوات تقريباً، حيث لم يتغير شيء تقريباً منذ يومها، قدّم الربيعي في مبحثه صورة قد لا يعرفها حتى المتعاطف مع إيران، بخلاف ما دأبت وسائل الإعلام العربية على تقديمها، خاصة في الآونة الأخيرة.

يتساءل الربيعي أولاً عن سر العداء اللفظي الهستيري لإيران، مؤكداً أن نقد السياسة الإيرانية حق مشروع، لكنه تحوّل مع الوقت للتشهير بالتاريخ والقيم والثقافة الإيرانية، وشيطنتها واستخدام توصيفات عنصرية مثل: مجوس، صفويين، شيعة، يهود... وزواج متعة.. إلخ، تقابلها غالباً ألفاظ بالبذاءة نفسها من الطرف الآخر، لافتاً النظر إلى أن النقد الموجه لا يخضع لأي معيار أخلاقي أو علمي، فليس لدى الطرفين مراكز أبحاث متخصصة في الدراسات الإيرانية أو العربية، وكل الذين يهاجمون إيران يجهلون بشكل مريع تاريخها وتكوينها الجغرافي والسكاني، بل مجرد أقاويل وأحكام خاطئة، وحتى لو اعتبرنا إيران عدواً، فمن المحزن محاربة «أعداء» لا نعرف شيئاً عنهم.

لا يوجد بلد في العالم شكّل هويته بمعزل عن تأثير جيرانه، حتى لو كانوا غزاة. وفي هذا الإطار ساهم العراق، بدرجة حيوية، في تشكيل الهويّة الإيرانية، وليس العكس، إذ تشكلّت الهويّة الإيرانية لغوياً، تحت تأثير الجار العراقي، منذ أن استبدلت اللغة الفارسية القديمة أبجديتها «الهندو أوروبية» بالأبجدية «المسمارية العراقية»، ثم اعتمدت لغتها الحالية في حروفها وقواعد كتابتها على العربية، متخلية عن لغتها القديمة، وأيضاً عن جزء من تاريخها، لتنتسب للتاريخ الإسلامي الجذور، وتعاملت معه بوصفه جزءاً منها.

كما تأثرت إيران منذ القدم بالعبادات العراقية، فكانت عشتار معبوداً مشتركاً للشعبين، وكما ناح العراقيون القدماء على مصرع الإله «تموز»، سيَّرَ الإيرانيون القدماء من أجله مواكب الدموع والبكاء. واليوم يشترك الشعبان في البكاء على رموزهم الدينية. وفي هذا السياق، يرى الربيعي أن إيران القديمة كانت حضارة عظيمة، لكنها من دون دين عظيم، وهذا النقص شكّل لديها عقدة دفعها للبحث عن رسالة دينية، لذلك تعلموا القرآن باللغة العربية متخلين عن قديم أديانهم.

ويؤكد الربيعي أن وصف الإيرانيين بالمجوس، يتضمن مغالطة كبرى، فالكلمة توصيف احتقاري أطلقه الوثنيون الفرس على الموّحدين المبشرّين بإله واحد (الزرادشتية نحو 1500 ق.م)، مما يعني أن الفرس شيء مختلف عن المجوس، أما الصفوية فهي شيء آخر، إذ إنها ليست ديناً ولا مذهباً دينياً، ولا تدل على الشيعة المعاصرين، بل حركة صوفية سياسية استخدمت تراث الإسلام لمواجهة العثمانيين، وتنتمي عرقياً للتركمان السلاجقة، الذين خاضوا صراعاً ضد العثمانيين على خلفية نزاع عرقي، وبعد استيلائهم على إيران أقروا المذهب الشيعي الإثني عشري مذهباً رسمياً للدولة، وقد انتهت الصفوية مع اعتناق إيران المذهب الشيعي. كما إن القول بأن إيران هي التي فرضت التشيّع على العراقيين، تزوير للتاريخ، فالعكس هو الصحيح.

يشكل الفرس %49 من السكان، بينما يشكل الأتراك، الأذريون، نحو %20، والعرب نحو %7، ومثلهم الأكراد، كما أن كبار زعماء إيران، الدينيين، ليسوا من الفرس، وأغلبيتهم يتقنون العربية.

وعن طبيعة الخطر الذي تشكله إيران، يرى الربيعي أنها لم تكن لها يوماً أطماع توسعية، بالرغم من أنها تقاتلت مع جيرانها الأتراك والعراقيين لفترات طويلة، حيث كان صراعاً تقليدياً على المصالح، وعلى مناطق النفوذ، لعب المذهبان (السني والشيعي) دور الغطاء الإيديولوجي فيه للتغطية على طبيعته المصلحية.

ومن الأخطاء الشائعة ربط الشيعة بالقومية الفارسية، فقد عرفت إيران المذهب الشيعي قبل 500 سنة تقريباً، إلا أن الفارسيّة مكوّن قومي سابق للتشيع بآلاف السنين، وهما أصلاً مكوّنان متصارعان داخل الهويّة الإيرانية نفسها، وهذا ما تصعب ملاحظته، وهذا الصراع اشتد لمصلحة القومية الفارسية، أيام بهلوي 1925، ليعود لمصلحة التشيع مع الثورة الخمينية عام 1979.
* * *
ملاحظة: نبارك لجميع الأحبة المسيحيين، داخل الكويت وخارجها، بعيدي الميلاد المجيد ورأس السنة الهجرية، متمنين السلام والمحبة للجميع.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top