النملة وبطاقة المسنين

كانت هناك نملة مجتهدة تتجه كل يوم لعملها بنشاط وسعادة، فتنتج الكثير. لفت عملها نمر الغابة، وتصور أنها ستنتج أكثر لو تم تعيين من يشرف عليها، وينظم أمورها. وقام باختيار العنكبوت للقيام بالمهمة، الذي قام بفرض بصمة الحضور والانصراف على النملة، وعين صرصورا لمراجعة تقارير أدائها ومسك سجلات الإنتاجية والأرشيف، وتلقي وتحويل المكالمات الهاتفية التي ترد النملة.

ابتهج النمر بنظام العمل الذي وضعه العنكبوت، وطالبه بمزيد من التقارير، والاستعانة بالكمبيوتر للخروج بجداول تبين بوضوح تطورات إنتاج النملة، وأسباب أي انخفاض في أي يوم من الأسبوع، وبيان العوامل التي ساهمت في ذلك أو في زيادة الإنتاج، لعرض كل ذلك على الاجتماع القادم لمجلس إدارة «شركة النمل»، التي تم تأسيسها لضمان شفافية العمل ووجود مراقبين على الحسابات.

أدت الرقابة على عمل النملة لانخفاض إنتاجيتها بشكل ملحوظ، فتم تعيين نحلة للنظر في الأمر فتوصلت لنتيجة أن من الضروري تغيير نظام العمل وأجوائه، من خلال استخدام محفزات جديدة مثل شراء لوحات لرسامين عالميين وتغيير ألوان السقف وشراء أثاث مكتب جديد، ووضع كاميرات مراقبة، وتغيير زوايا دخول وخروج النملة، وجعلها إلكترونية، وتعيين مساعدين لها يكون دورهم نقلها لمكان عملها كل صباح وإعادتها لمكان نومها في المساء، لكي لا تتعب في الطريق.

لم تنفع أي من الاجراءات في زيادة الإنتاجية، وبدأت الخسائر بالظهور، واصبح انهيار «شركة النملة» محتما، بسبب بند الرواتب الهائل، وكان لا بد من تدخل النمر لتدارك الأمر وتخفيض النفقات، خاصة ما يتعلق بالرواتب، وحيث ان راتب النملة هو الأعلى، فقد قام بالاستغناء عن خدماتها.
* * *
تذكرت هذه القصة الكلاسيكية وأنا أتفحص بطاقة «كبار السن» التي تصدرها وزارة الشؤون، والتي تعطي حاملها حق تجاوز أي طابور أو دور في أية جهة حكومية، طالما بلغ المواطن الخامسة والستين عمرا.

ولإصدار بطاقة «تعريف السن»، التي لا تعترف أصلا بها اية جهة، ولا تعني شيئا، قامت الوزارة بخلق هيكل إداري مهمته طباعة البطاقة وحفظ سجلاتها، وتوزيعها من خلال عدة فروع في مختلف المحافظات، وإلغاء التي يتوفى أصحابها، وغيرها من الأعمال الإدارية التي لا حاجة لها، ولا حتى لوجود تلك الإدارة برمتها، فالعبرة في استحقاق المواطن للخدمة يتطلب شرطا واحدا فقط، هو بلوغه سنا معينة، وهذا يمكن معرفته بسهولة عن طريق البطاقة المدنية، وهذا يعني عدم الحاجة لوجود تلك البطاقة أو الإدارة أصلا!

ما لم يفكر فيه جهابذة «بطاقة كبار السن»، أو بطاقة الصحة للأولوية أن إعفاء المسن من رقم الدخول أو الوقوف في الطابور عند عيادات الأطباء وصرف الأدوية، ومقابلة المسؤولين وغير ذلك، لا معنى له، لأنه لا يحل مشكلة أولوية بعضهم على بعض، حيث يصعب كثيراً تحديد من وصل قبل الآخر، وتصبح المشكلة أكبر عند وصول عدد كبير منهم في وقت واحد؟

هذه المشكلة التي لم يفكر بها أحد بحاجة لمخرج يتمثل في وضع نظام أرقام أولوية خاص فقط بالمسنين فقط، وهذا يتطلب خلق إدارة جديدة في وزارتي الصحة والشؤون للقيام بهذه المهمة!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top