ظاهرة الاقتراب من الموت

يعتقد البعض أنهم مروا بتجربة العودة من الموت، أو الاقتراب الشديد منه. وقد دوَّن الكثيرون تجاربهم في كتب ومنشورات، وعلى الرغم من تعدد خلفيات وثقافات أصحاب هذه التجارب، فانهم اتفقوا تقريبا على رواية مشاهد محددة لظواهر معينة. ولهذا بدأ العلماء قبل 100 عام تقريبا بالاهتمام بهذه الظاهرة وتدوين تجارب الأفراد ومراقبة الحالات ومحاولة وزن الأجساد بآلات قياس وزن بالغة الدقة، وادعوا أنهم وجدوا فروقا لا تذكر بين وزن الجسم قبل الوفاة وبعدها، أو خروج الروح، كما يقال.
ومع زيادة وسائل الاتصال وانتشار الانترنت زادت تقارير العودة الى الحياة بعد الموت، وتأسست من أجل ذلك جمعيات وصدرت كتب عدة في هذا المجال المثير والمحير، وعن تجارب الموت التي واجهوها، وكتبوا حتى عن «الحياة في الجانب الآخر»! وتوجد على الانترنت مواقع عدة تعالج هذه الظاهرة التي يؤمن بها عدد متزايد من البشر، وأن الأرواح موجودة ولها وزن يمكن قياسه وأنها عندما تغادر الجسد تجتمع في مكان محدد، وقد تعود مرة أخرى الى الأرض لتتجسد في شكل بشري أو آخر.
هذا في جانب، أما في جانب آخر فقد اكتشف العلماء مؤخرا، بعد سلسلة من الاستطلاعات والاختبارات، أن لظاهرة الموت والعودة الى الحياة سببا آخر لا علاقة له بالأرواح. فعندما يظن المرء أنه يرتفع بروحه عن جسده بحيث يراه ممددًا تحته على السرير، أو يشعر بدرجة من النشوة والطمأنينة «غير الدنيوية» التي لم يشهد مثلها طيلة حياته، أو أنه يسير داخل نفق مظلم في آخره ضوء ساطع، أو أنه يلتقي بأقاربه الموتى، قبل «استيقاظه» من هذه الحالة، وهي الحالات التي أجمع غالبية من مروا بهذه التجربة أنهم مروا بواحدة أو أكثر منها، وهي الحالة أو الظاهرة التي تسمى علميا «تجربة الاقتراب من الموت»، أو«العودة من الموت»، هي ظاهرة يكثر حدوثها خصوصا وسط أولئك الذين يخضعون لمبضع الجرّاح أو في اللحظات التي يعانون فيها ذبحة صدرية. لكن دورية «كريتيكال كير» الطبية البريطانية نشرت قبل أيام بحثا أعده فريق علمي من سلوفينيا يقول انه ربما وجد تفسيرا للأمر، حيث يقول فريق جامعة ماريبور انه وجد رابطا يمكن أن يؤدي الى حدوث هذه التجربة الغريبة، يتمثل في ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الدم. وتبعا له فان هذا الارتفاع يؤدي الى تغيّر التوازن الكيميائي في الدماغ، مما يؤدي بدوره الى خداع صاحبه. فيجد أن روحه ترتفع عاليا فعلاً فوق جسده، أو أنه يسير في نفق يصل بين الحياة والموت، الى آخره من تلك التخيلات الغريبة.
وقد نظر الفريق الطبي في حالات 52 من المرضى الذين عولجوا من أزمات قلبية بالمستشفيات، وكان كل منهم قد أُنعش و«أعيد الى قيد الحياة» بعد توقف قلبه عن الخفقان وانقطاع أنفاسه. وفحص مستوى الكيماويات في أجساد هؤلاء خلال معالجتهم، خاصة ثاني أكسيد الكربون، وطلب اليهم لاحقا الاجابة عما يتعلق بتجاربهم وأحاسيسهم خلال فترة المعالجة.
وتبعا لنتائج هذا الاستطلاع، فقد قال 11 من أولئك المرضى، انهم وقفوا على الحد الفاصل بين الموت والحياة، ومرّوا باحدى الحالات التي اخذت ظاهرة «العودة من الموت» اسمها هذا. وقالت الدكتورة زليخة كيتيس، التي ترأست فريق البحث: «وجدنا أن لدى أولئك المرضى الأحد عشر معدل تركيز ثاني أوكسيد الكربون في دمائهم يزيد كثيرا بالمقارنة مع تركيزه لدى أولئك الذين لم يشهدوا الظاهرة». وأضافت هذه الباحثة أن الأرجح هو أن «تجربة العودة من الموت» لا ترتبط بالعمر أو الجنس أو المعتقدات الدينية أو الخوف من الموت أو العقاقير التي يحقن بها المريض، مع اقرارها بأن مزيدا من التجارب ضروري لقطع الشك باليقين، فقد قالت ان الأمر يتعلق أساسا بزيادة معدلات ثاني أكسيد الكربون في الدم، وان هذا هو المدخل الصحيح الى الفهم الكامل لأسباب تلك الظاهرة.

الارشيف

Back to Top