تي شيرت النصارى

أخرجتني مكالمة هاتفية من صديق، وأنا في غربتي التي اخترت لها أن تمتد تسعين يوما بعيدا عن القيل والقال وكتابة المقال، طلب مني قراءة ما كتبه بسام الشطي، المدرس في جامعة الكويت، في جريدة «عالم اليوم» (20 ــ7) التي حذر فيها من حركة التنصير القائمة على «قدم وساق» في منطقة الخليج، برعاية الفاتيكان والصليب الأحمر والقوى الغربية. وقد قررت مختارا كتابة هذا المقال، ليس ردا على ما كتب فقط، بل لبيان كم هي بسيطة أفكار وتطلعات القوى الدينية المهيمنة على الساحة والمتحكمة برقاب البشر ومصائرهم من خلال مئات المؤسسات والجمعيات والمناصب القيادية التي تخضع لسيطرتهم وتحكم أحزابهم السياسية، وللبيان لكم المبالغة والتشويه اللذين تتضمنهما عادة مثل هذه المقالات.
يقول الشطي ان العدد التقريبي للنصارى في دول مجلس التعاون فاق المليون ونصفاً، وأن أول كنيسة أقيمت في الكويت عام 1931، وتبعتها البحرين بأشهر، ثم سلطنة عُمان، وأن عدد من يحمل منهم الجنسيات الخليجية يبلغ 350 فردا، أما عدد الكنائس لدينا فيبلغ 35، وأن أغلب هؤلاء «النصارى» من العمالة المنزلية.
ويقول ان مجموعة من شبابنا لبسوا الـ«تي شيرت»، تأثرا بهؤلاء النصارى وبما يبث على القنوات التنصيرية والكتب والمجلات ومواقع الإنترنت، وأيضاً من خلال اللقاءات العلمية والمعاهد الثقافية. ويدعي الشطي أن الطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج يُلزمون جميعا، في أغلب الجامعات، بالدخول الى الكنائس من خلال «دفاتر الحضور وتسجيله» بشكل اسبوعي (هكذا ورد حرفيا في مقاله)، وقال ان هذا أدى الى ترك بعضهم لصلاته وعقيدته وأصبح ملحداً وحصل على رعاية ولجوء سياسي!
وانتقد الشطي وجود سفارة للفاتيكان في كل دولة عربية، وأن تكون لهم الأولوية في الإشراف لدينا على السجناء وحقوق الإنسان وغير ذلك، والعمل تحت مظلة الصليب الأحمر (!!!)، وأن وراء عمل هذه المنظمة التنصير والعبث بالعقيدة، وأنها دخلت على الدول الفقيرة من ثلاثة أبواب «الفقر، الجهل، المرض»، في حين سعوا بكل ما يملكون للتشكيك بالعمل الإسلامي التطوعي وتحجيمه ووضع العراقيل امامه حتى لا يقوم بخدمة المسلمين في العالم. وتطرق الشطي الى حديث أدلى به القس الكويتي عمانويل غريب لإحدى الصحف وتهكم عليه بتسميته بـ«الأنبا نويل»، وقال ان على الحكومة مراقبة أمواله (ربما لدوره في تهجير المسيحيين من العراق أو قتل الشيعة وتشريد السنة فيه، أو كأن الجمعيات المسماة بالخيرية تخضع لأي رقابة على أموالها أصلا!!).
واستطرد الشطي في ترهاته التي لا يقبلها عقل ولا منطق قائلا ان الجهات المعنية بالتنصير في الخليج عملت على إنشاء مكاتب سمتها «تهيئة العمالة لدول الخليج»، لتسهيل دخول النصارى الى بلادنا ومنع المسلمين عنها، وهذا ما تفعله مكاتب الخدم (!!) ويقابل هذه التسهيلات التي تقدم للمسيحي تعقيد تام لدخول المسلمين الى دول الخليج(!!)
واستغرب الشطي إنشاء بعض سفارات الدول لمكاتب تهتم بزيارة سجناء هذه الدول، وتكلف محامين لهم ويتدخل سفراؤهم أحياناً «كشفاعة» لإخراجهم(!!!).
وتساءل عن المبالغ التي تدفع لتحسين صورة الكنيسة والقساوسة والرهبان، فيما برامجنا الإعلامية قل وندر ان تجد فيها شيئا عن المساجد والصلاة والذكر والحجاب.
ومن مظاهر التنصير «المخيفة» التي استشهد بها الشطي أن دولنا تعطل في رأس السنة وأعياد الكريسماس وتتبادل التهاني، واشتكى من أن الرياضة عندنا تستقطب المدربين النصارى واللاعبين كذلك، ثم يجنّسون بعد فترة (يا ترى كم عدد اللاعبين والمدربين المجنسين لدينا؟)، وختم الشطي «رائعته» بالقول ان النصارى يطالبون بحذف الآيات والأحاديث الصحيحة التي تتحدث صراحة عنهم لأن هذا يزيد من ثقافة الكراهية والعداوة بين أبناء الوطن الواحد، فهل تسمع لهم وزارة التربية؟
أولا: السيد الشطي، لمن لا يعلم، سلفي ملتح ومن المفترض أن يكون ملتزما جدا، وهذا يفرض عليه الدقة والصدق في القول والحرص على الكلام!
فأن يكون هناك 350 مسيحيا في كل دول الخليج، بعد مرور 80 عاما تقريبا على وجود أول كنيسة، كاف ليبين عدم صحة وجود حركة تنصير بالمعنى المفهوم، خاصة إذا علمنا أن غالبية هؤلاء هم أصلا من أبناء وأحفاد من قدم الى المنطقة قبل أجيال مع غيرهم، بعقائدهم، ولم يتنصروا أو يغيروا دينهم بيننا.
كما أن وجود 35 كنيسة فقط لأكثر من مليون ونصف مليون وافد يدل بوضوح على مدى تعصبنا وتخلفنا وقلة تسامحنا مع الآخر، بحيث خصصنا كنيسة لا تتسع لأكثر من 500 فرد لكل 40 ألف مسيحي!
أما القول ان طلبتنا يفرض عليهم دخول الكنائس في الغرب وتحفظ سجلات تبين حضورهم ويدفعون الى أن يلحدوا فكلام لا يحتاج الى دحض ولا نفي لتفاهته أصلا، وبعده عن الحقيقة والواقع، ومئات آلاف الطلاب الذين درسوا في أميركا والدول الغربية خير شاهد!!
يبدو أن من الأفضل التوقف هنا، لأن وقتنا ومساحة مقالنا لا تسمح بالاستطراد أكثر، وفهم الجميع كاف لمعرفة حقيقة مستوى خريجي كليات الشريعة في معاهدنا التعليمية!!

الارشيف

Back to Top