الذروة في الاتكالية

اجرت الزميلة «الانباء» مقابلة تاريخية مع الوكيل المساعد لشؤون المساجد في وزارة الاوقاف. تاريخية المقابلة تكمن في كونها مثالا للدلالة على ما آلت اليه الاوضاع في الكويت من تخلف وسحق لشخصية المواطن ودفعه دفعا لأن يكون مواطنا فاشلا واتكاليا على الدولة في المال وعلى الوافد في العمل، وبعد كل هذا، نصر على التصدي للسخيف من الظواهر، وترك الامور السلبية الاساسية في الدولة الدينية من دون مساس!!
يقول السيد الوكيل إن وزارته واصلت الليل بالنهار على مدى اربعة اشهر استعدادا لشهر رمضان (!) وان صح هذا الكلام، وهو لا شك صحيح، فإنه خير دليل على مدى تواضع، او تفاهة انتاجية الموظف الحكومي!! فنصف هذه الفترة كان كافيا لكي يقوم سلاح الهندسة في الجيش الاميركي، وقبل 18 عاما، بنقل جبال من الاسلحة والمعدات والاطعمة من على بعد 15000 الف كيلو متر جوا وبحرا، اثناء الاستعداد لحرب تحرير الكويت!!
ما علينا. يقول السيد الوكيل المساعد ايضا في مقابلته التاريخية ان الوزارة في سعيها لنشر الثقافة، ولم يحدد نوعية الثقافة هنا، ربما لان رنين الكلمة اعجبه وخلاص، قامت بـ«تفعيل» مجموعة كبيرة من المصليات النسائية على المستوى الثقافي (!!) ولا تسألوني عن المقصود بهذا الكلام.
وتبلغ الذروة مداها في مقابلة الوكيل المساعد عندما ذكر أن الوزارة قامت هذه السنة باستقدام ائمة وقراء من دول اسلامية، ومن مصر واليمن بالذات، للمساهمة في القيام بوظائف قراءة وختم القرآن!!
ولو علمنا أن العدد المطلوب لا يتجاوز المائة او حتى ضعف ذلك، ولو علمنا أن هناك ما لا يقل عن عشرة آلاف مواطن ومقيم في الكويت من المؤهلين لاداء مهام الامام والمؤذن، واكثر من نصف هؤلاء من المواطنين من خريجي كليات الشريعة في جامعات الكويت ومصر والسعودية، اضافة الى خريجي المعاهد الدينية في الكويت وغيرها، لوجدنا ان في الامر ما يدعو للعجب!! فإذا كنا لا نزال، وبعد 300 عام من تاريخ هذا الوطن، ومائة عام من التعليم شبه المنتظم، لا نزال بحاجة لمقرئي قرآن، فما هي اذا حاجاتنا للاطباء والمعماريين والمهندسين المدنيين والكهربائيين والمعلمين ومختصي الاشعة والتوليد والبيطريين والكيميائيين، ومشغلي محطات تقطير المياه وتوليد الكهرباء واصحاب مئات الوظائف الاخرى غيرهم؟ فإذا كان الامر كذلك، وهو حقا كذلك، فلم اذا لا نحترم الغريب الذي يعالجنا ويبني جسورنا ويشيد بيوتنا ويعمر مدننا ويشغل كهرباءنا ويستخرج بترولنا.. بمثل ما نحترم المؤذن او مقرئ القرآن؟ ومتى سنشعل النار في انفسنا لكي يتخلص العالم منا مرة والى الابد بسبب كل هذا الجهل والتخلف والتعصب العنصري الذي نعيش فيه؟ وكيف نكون نتاج خير امة ونحن لا نعرف حتى كيف نكتفي ذاتيا بمقرئي القرآن والمؤذنين، وبعد اكثر من 14 قرنا من ظهور الاسلام؟

الارشيف

Back to Top