قراران متناقضان صحيحان

يجب ان نعترف بان الحكومة في الكويت، وبعد انتظار دام أكثر من أربعة عقود، اكتشفت انها كانت تخدع نفسها عندما بنت مبنى وجعلت له وزيرا بحقيبة وعينت مئات الموظفين في وزارة اسمتها ب 'التخطيط'! فالحقيقة الحلوة أو المرة او البين بين، أن الدولة، ممثلة بالحكومة، لم تلتفت قط او تعطي اي اعتبار، طوال اربعين عاما الماضية، لهذه الوزارة بخلاف اهمية ما يمثله صوت وزيرها في التصويت داخل مجلس الامة، وقد حدث ذلك ربما لاعتقاد البعض بأن البلاد محروسة بعين مباركة والامور تسير من حسن الى جيد والاقتصاد من جيد إلى ممتاز ونفسيات الناس من ممتاز الى رائع وهكذا.
يقول من يعرف عن التخطيط واهميته ان لهذه الوزارة مهمتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بالاهتمام بمشاريع الدولة التنموية، والثانية تتعلق بتكنولوجيا المعلوماتِ ومن خلال هاتين المهمتين تمارس الوزارة، أو كانت تمارس، عملا رقابيا مهما على اعمال كل مؤسسات الدولة، عن طريق 'فلترة' المشاريع المقدمة من مختلف وزارات وهيئات الدولة وضمان عدم خروجها عن الخطط الموضوعة لمنع التكرار والازدواجية في المشاريع من جهة، ولمنع تمرير تجاوزات مادية او غير قانونية من خلال المبالغة في التكلفة، وهو بهذا يعمل كصمام امان، وهنا المشكلة، او السبب الذي ادى في نهاية المطاف ربما لتهميش دوره، فهو مزعج للبعض من اصحاب النفوس والنوايا السيئةِ وبالتالي كان لابد من الغاء حقيبته الوزارية في المرحلة الأولى، وترويض المشرفين عليه بالتالي ليصبحوا شبه عاجزين عن اداء دورهم، ومن ثم توزيع مهام الوزارة الحالية على مختلف الجهات الحكومية الاخرى ليضيع دوره الرقابي في روتين الحكومة، خصوصا في حال تعيين غير المؤهلين، ومن تدور الشبهات حولهم، للاشراف على ادارة التركة.
أما القول ان مجلس التخطيط، بما فيه من كفاءات، يمكنه الحلول محل وزارة التخطيط فانه قول يفتقد الجدية، حيث انه مجلس قلما يجتمعِ كما ان كوادره ليست فنية وبالتالي فهو غير مهيأ اصلا للقيام باعمال الوزارة او الحلول محلها.
ان قرار الغاء حقيبة وزارة التخطيط صدر وطبق بكل هدوءِ وهذا يعني انه اما غير صائب، وبالتالي مرر دون ضجة، وإما أننا كنا على خطأ طوال الاربعين عاما الماضية، وبما اننا نتحدث عن التخطيط في دولة لم تعط التخطيط أي اهمية اصلا، فالاحتمال ان القرارين صحيحان في الوقت نفسه!

الارشيف

Back to Top