الوفاء الذي افتقدناه (2/1)

ذكر في كتاب 'من هنا بدأت الكويت' لمؤلفه، عبدالله الحاتم، أن القس صموئيل زويمر والقس فريد بارني، وهما من رواد الارسالية الاميركية في الخليج، كانا من اوائل المسيحيين الغربيين الذين زاروا الكويت، في الفترة من 1900 الى 1903، اي قبل اكثر من مائة عام.
وفي عام 1910 قدم الى الكويت دِ جون فان اس ودِ ارثوركي بنت، بناء على دعوة من الشيخ مبارك الصباحِ واقاما في ديوانية 'بودي'، وكانا اول طبيبين مؤهلين يعملان في الكويت، وارسلا من قبل الارسالية الاميركية، وقاما بافتتاح مستشفى صغير فيها.
بعد فترة من الشك في اهداف القائمين على المستشفى وطرق العلاج 'الغريبة' التي جاءا بها، تبدد خوف الناس منهما تدريجيا بعد نجاح دِ بنت في علاج حصان الشيخ مبارك الذي كان مصابا بدمل كبير، ونجاحه في معالجة خادم الشيخ وشفائه.
وفي عام 1911 وقع اختيار الارسالية على تل صغير يقع على الساحل، في الطرف الغربي من العاصمة لإقامة مبنى المستشفى عليه، وكان الشيخ مبارك يمتلك الارض وباعها لهم مقابل مبلغ زهيد، واعطاهم صكا بهاِ انتهى العمل في بناء المستشفى عام 1911، وكان اول مبنى يشاد من الخرسانة المسلحة وتكلف بناؤه في حينه 6000 دولارِ وخلال عشر سنوات تقريبا بينت سجلات المستشفى انها قدمت العلاج لأكثر من خمسة آلاف شخص.
كان دِ ستانلي ميلري أول طبيب يعمل في المبنى الجديد، واستمر في عمله 28 عاما الى ان تقاعد عام 1941، وعندما توفي، بعد مرض لم يمهله كثيرا، دفن في المقبرة المسيحية بالكويت.
تقرر في عام 1954 هدم مبنى المستشفى القديم وتم انشاء المبنى الحالي في المكان نفسه ولأسباب غير معروفة لدينا، نرجو ان يزودنا بها بعض المهتمين بتاريخ الكويت الحديث، تم انهاء اعمال بعثة الارسالية الاميركية فجأة، بعد اكثر من نصف قرن من العمل بتفان واخلاص عجيبين، واغلقت ابواب المستشفى لفترة طويلة بعد ان سلم المبنى لاستعمال وزارة الصحة المتخلفة، التي اساءت استعماله بصورة واضحة، ثم اهمل المبنى لفترة طويلة اخرى، الى ان قرر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب اخيرا اعادة تأهيل المبنى وترميمه بصورة حضارية مع الاصرار على الاحتفاظ باسمه الذي عرف به لأكثر من مائة عام وهو 'المستشفى الامريكي'، ومن المقرر ان يتم تحويل المبنى الى متحف.
نشكر كل من شارك في بث الروح في ذلك المبنى التاريخي، واعادة الوجه الحضاري للكويت الذي اختطفته قوى التخلف.

ملاحظة:
من المؤسف ألا يطلق اسم دِ ميلري او دِ اسكدر، او اليانور كافرلي او غيرهم ممن عملوا في تقديم العلاج لعشرات الآلاف من الكويتيين من رجال ونساء وانقاذ ارواح الآلاف منهم من موت محقق، على اي شارع او مبنى او حتى جناح في مستشفىِ في الوقت الذي اطلقت فيه بلدية الكويت اسماء عدد من غلاة المتشددين والمتخلفين وعدد هائل من النكرة على اهم واكبر شوارع الكويت، والامثلة على ذلك اكثر من ان تحصى وتعدِ نحن لا ننكر هنا الهدف 'الديني' لمجيء الارسالية الى هذه المنطقة، ولكن الطابع الانساني لعملها كان هو الغالب بشكل واضح، خاصة بعد ان تخلت تماما عن فكرة التبشير التي قدمت اصلا من اجلها.
وعش رجبا تر من عدم الوفاء عجبا.

الارشيف

Back to Top