قصة فِداهش و'اللفو

ولد فِداهش في احد مستشفيات الكويت من ابوين لبنانيين، وكان ذلك قبل ما يزيد على نصف قرنِ دخل المدرسة الابتدائية وحصل كغيره من التلاميذ على الكسوة السنوية الشتوية والصيفية وتناول وجبات الافطار المغذية فيها من شوربة شتاء وسندويتشات الجبنة والمربى مع الحليب صيفاِ ودرس وتعلم وأنهى كافة مراحل التعليم في الكويت بتفوق واضح ثم سافر بعدها الى القاهرة على نفقة ولي امره والتحق باحدى جامعاتها، حصل بعدها على شهادة في الهندسةِ عاد الى الكويت وعمل لفترة قصيرة وما ان تجمع لديه قدر معين من المال حتى قرر السفر الى انكلترا لتكملة دراسته العليا!
تزوج من احدى مواطناته وعاد بها الى الكويت وانجبا عددا من الابناء والبنات، وتمت عمليات ولادتهم جميعا، كوالدهم، في مستشفيات حكومة دولة الكويت، وكوالداهم ايضا تعلم ابناؤه وبناته في مدارس الكويت وتطببوا، عند الحاجة، في عياداتها واستفادوا من كافة ما تعطيه الدولة للمواطن والمقيم من تسهيلات.
يتقن فِ داهش، اضافة الى اللهجة الكويتية التي يجيدها كأهلها، خمس لغات، كما يشتهر بحبه واتقانه طبخ الاكلات المحلية كأحسن ما يمكن لعقلية مهندس ان تبدعهاِ كما تراكمت لديه خلال سنوات عمله الطويلة خبرات عملية نادرة.
ولكن، وبالرغم من كل ما كان يشعر به فِداهش من امتنان للكويت وحب وتقدير لشعبها لكل ما قدمته له ولعائلته الصغيرة من تسهيلات ومساعدات مباشرة وغير مباشرة، وبالرغم من الراحة النفسية التي يشعر بها كلما وطئ ارضها وما يشعر به من غربة كلما ذهب لموطن آبائه بعد كل تلك السنوات الطوال التي عاش فيها في الكويت ونعم بخيراتها كواحد من ابنائها بنى لنفسه فيها صداقات وعلاقات ستبقى معه ما ظل حيا، اقول بالرغم من كل ذلك الا انه لم يشعر فقط بالامان الحقيقي، فاقامته مرتبطة بمزاج من يعمل لديه، ووضعه الامني مرهون برضا قوى الامن عنه وعن اسرته وسلوكه.
حاول، وهو المهندس ذو المؤهل العالي والخبرة الطويلة والنادرة، ان يحصل على جنسية الدولة التي ولد فيها وتكلم بلهجاتها وانتمى لديانة غالبية اهلها ولكنه لم يوفقِ كما حاول التغلب على ما يعتريه من خوف بين الفترة والاخرى كلما اختلف مع رئيسه او كفيله وذلك بمحاولة الحصول على نوع من الاقامة طويلة الامد ولكن لم يوفق في هذا المسعى ايضا، وما كان يؤلمه حقيقة ما كان يسمع به ويشاهده طوال تلك الفترة التي عاصرفيها تاريخ الكويت الحديث تلك الطريقة التي كانت الجنسية الكويتية تمنح يمينا وشمالا للمتعلم والجاهل، للسقيم والسليم للبعيد وللقريب، ولم يكن يعرف تفسيرا منطقيا لرفض طلبه، فهو ولد على هذه الارض واحبها واحب اهلها وصرفت الدولة على تعليمه وتربيته وتعليم ابنائه وتربيتهم المال الكثير والجهد الاكثر، اضافة الى انه وبجهوده اصبح يمتلك ما لا تمتلكه الا القلة النادرة من الشهادات والخبرات الطويلة، وبالرغم من كل ذلك لم يشعر يوما بأنه في امان من تصاريف القدر العربي الشقيق!
ثم جاء الغزو الحقير ووقع ما كان يخشاه، حيث اضطر للعودة لوطنه لبنانِ ولكن غربته وخوفه على مستقبله ومستقبل اولاده اصبحا الان اضعاف ما كان يشعر به عندما كان يعيش في الكويتِ فالكويت كانت له بمثابة الوطن والمستقر والبيئة التي اعتاد عليها وخبرها وعرف اهلها وشوارعها وحاراتهاِ اما لبنان، وبالرغم من انه الوطن الفعلي الا انه، وبعد كل سنوات الحرب الاهلية الطويلة التي اكلت الشجر والحجر والنفوس، وبعد كل تلك الفترة الطويلة التي عاش فيها بعيدا عنه، لم يستطع ان يتأقلم مع طريقة الحياة فيه ويعيش فيه طويلا، وما ان اتيحت له اول فرصة حتى قرر الهجرة الى كندا.
بعد اقل من سنة من تاريخ تقديمه لطلب الجنسية الكندية تم استدعاؤه وعائلته لأداء قسم الولاء لوطنه الجديد (كندا)!
قالت له القاضية بعد انتهاء اجراءات التجنيس إنه تبين لها من واقع المستندات الموجودة في ملفه انه ولد وعاش حياته كلها في الكويت فلماذا لم يحاول الحصول على جنسيتها، علما بأن ما صرفته تلك الدولة عليه من اموال طائلة لتعليمه وابنائه وتوفير وتقديم الطبابة والدواء وخدمات الاستشفاء له ولهم جاوز ملايين الدولارات؟
وعندما شرح لها الامر والظروف الغريبة التي حالت دون حصوله على الجنسية 'السوبر'، متذكرا وجوه وأعتاب من حصل عليها حقا وباطلا، قالت له انها ستقترح على حكومة المقاطعة المحلية ارسال كتب شكر لحكومة دولة الكويت على ما بذلته من جهود جبارة واموال طائلة لتعليم المواطنين الكنديين الجدد!.

الارشيف

Back to Top