أحلام عبدالقادر (2)

بعد بحث ولف ودوران تمكن عبدالقادر من الاستدلال على ذلك المبنى 'المهيب' الذي دلت كافة الأمور والاشياء من حوله على مدى ما اصيب به من إهمال وتعاسة وفقر في الصيانة والنظافة، بحيث تجد انه يشكو من قلة النظافة في كل جزء منه عدا سلال القمامة، فقد كانت نظيفة وخالية تماما! وقد تذكر ما كانت توصف به عاصمة بلاده، في وقت من الأوقات، بأن كل شيء فيها 'زفت' ما عدا الطرقات!
من السؤال هنا وهناك، وبعد زيارة أكثر من مكتب، وبعد مراجعة عدد من السجلات المتهالكة المنزوعة الغلاف ذات الصفحات العريضة متآكلة الأطراف، التي من الصعب تحديد لونها، والتي تشربت بمختلف انواع روائح والوان الاطعمة التي عادة ما يتناولها موظفو الحكومة، في تمام العاشرة من صباح كل يوم عمل، على او بجانب تلك السجلاتِ بعد تلكؤ وانتظار ونظرات خاطفة على منتصف الصفحات والسؤال عن تاريخ وقوع الحادث أعلموه بأن عليه الانتظار ستة أشهر أخرى على الأقل، وان عليه، الى ذلك الحين، ان يتوقف عن 'ايذائهم' بالسؤال عن مصير قضيته 'التافهة'!
في اليوم المحدد، وبعد ان راجع عبد مفكرته، استأذن رئيسه في العمل وخرج قاصدا مخفر الشعب بعد ان استأجر سيارة نقل صغيرة 'بيك اب'ِِ لم يصدق ما سمعه من الموظف المفرط في السمنة، والذي كان يدخن بشراهة غريبة، ان معاملته قد وصلت من المحكمةِ قدم بطاقته المدنية وطلبوا منه التوقيع في العديد من الأماكن من السجلات والنماذج وكأنه سيستلم سند تملك عمارة، وليس حكم محكمة لا يعلم اين تقع وكيف حكمت له او عليه ومتى تم الحكم وعلى أي أساس صدر! أخذ مجموعة الأوراق التي أعطيت له وذهب بها الى المسؤول، كما طلبوا منه، والذي أحاله بدوره الى مكتب ثالث لوضع ختم الادارة على الأوراق، بعد ان قام بتوقيعها باسمه الكريمِ فاجأه الموظف الجالس في المكتب الثالث بطلب طابع مالي بقيمة دينار واحد قبل ان يتمكن من تسليمه الحكم، فأسقط بيد عبد حيث انه لم يكن يتوقع مثل ذلك الطلبِ سأل الموظف، ببراءة، عن صندوق الادارة ليشتري منه الطابع فقال له: 'ليس لدينا صندوق او طوابع، اذهب الى (سنترال) حولي لشراء الطابع'ِ لم يتردد عبد في الخروج من الغرفة مسرعا فلهجة الموظف الحازمة وما رمقه به من نظرات، وفمه مملوء بقضمة كبيرة من 'سندويتشة' الفلافل لم تترك له مجالا للتعليق او التذمر.
ذهب الى خارج المبنى واكتشف ان سائق سيارة النقل الصغيرة التي استأجرها بنصف دينار قد غادر مكانه ولم يكن بانتظاره، كما كان اتفاقه معهِ انتظر لدقائق معدودة مؤملا النفس بعودته او مرور سيارة اجرة ليذهب بها الى السنترال ولكن آماله ذهبت سدىِ بعد نصف ساعة من السير المضني وباتجاهات خاطئة حظي بسيارة نقل صغيرة اخرى ذهبت به الى 'السنترال'، وهذه المرة كان عبد أكثر فطنة فلم يعط السائق أجرته كما فعل في المرة السابقة، بل طلب منه ان ينتظره لحين حصوله على طابع 'الدينار الواحد' الخيالي.
سلمه الموظف الأوراق بعد ان قام بلصق الطابع العجيب، وفاجأه بضرورة مراجعة مرور الفروانية لإكمال المعاملة، لم يتردد عبد هذه المرة كثيرا بل خرج مسرعا فالفرج اصبح قريبا، وذهب الكثير ولم يبق الا اقل من القليل، والوقت يجري بسرعة ودوام موظفي الحكومة سينتهي بعد ساعة او اكثر قليلاِ وصل الى المخفر ودخل على الموظف، والذي كان برتبة عريف، كما اشار عليه احد الموظفين، فوجده مشغولا بقراءة صحيفة يوميةِ مد يده بالأوراق ولكن العريف لم يكترث بها بل قال له: انتهى الدوام، تعال لنا غداِ لم يصدق ما سمعه في تجاربه مع الحكومة وموظفيها شبه معدومة وقال للعريف بكل براءة: ولكن الدوام ينتهي بعد ساعة تقريباِ ولكن العريف لم يلتفت للملاحظته وزاد من تباعد يديه وهو ممسك بصفحات الجريدة بحيث غطى هيئته بالكامل! خرج من المكتب وذهب لرئيس القسم وشرح له ظروفه الصعبة، وكيف انه من الصعب عليه عمليا وماديا الحضور في اليوم التالي، ورجاه بحرارة ان يساعده في انهاء المعاملة في اليوم نفسهِ رق له قلب الضابط وكان له ما أراد، وخرج بعد اقل من ثلاث دقائق وبيده ذلك الحكم الذي لم يصدق ان اليوم الذي يستلمه فيه سيأتي ابدا.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top