التشويه والكلية

'ربما تكون عملية حب البشر وتقديم الخير لهم الفضيلة الوحيدة التي يقدرها الجميع'.
(والدن ثورو 1854)
***
طلبت ادارة المدرسة الثانوية من 'جين' الحلول محل احدى مدرسات فصل دراسي اضطرت مدرسته الأصلية للتغيب عنه في ذلك اليومِ دخلت 'جين' الفصل بتردد واضح، فقد مرت فترة ليست بالقصيرة منذ آخر مرة قامت فيها بمهمة التدريس.
قدمت نفسها للطلبة وأخبرتهم باختصار شديد عن خبراتها، وأخذت تتمشى بين مقاعدهم طالبة من كل واحد منهم ان يعرف نفسه.
لاحظت على احد الطلبة عدم اهتمامه بمسألة التعريف تلك حيث كان مقتضبا في اجابته، كما لفت نظرها ذلك البنطلون الرث والفضفاض ذا اللون الفاقع الذي كان يرتديه، والذي كان يشبه الكيس في شكلهِ فقالت له بصوت لم يخل من القسوة ان ادارة المدرسة لا تتساهل كثيرا في موضوع أشكال وألوان ملابس الطلبة، وان ما يرتديه مخالف للقواعدِ فقال لها الطالب بنبرة حزن واضحة انه مصاب بفشل كلوي كامل، وان ذلك البنطلون الفضفاض يريحه ويجعله أكثر تحملا لآثار العلاج الجانبية، كما انه غير قادر ماديا على شراء آخر بدلا منه!.
شعرت المدرسة بأنها قد تسرعت في انتقادها للفتى، وانها اخطأت في حقهِ ولكنها تغلبت على حرجها وما خالجها من شعور بالذنب واستمرت في اداء عملها وأنهت مهمة ذلك اليوم بسلام.
لم تستطع 'جين' ان تنام في تلك الليلة فقد تقلبت في فراشها كثيرا ولم تفارق ملامح ذلك الطالب مخيلتها وهي تفكر فيه طوال الليلِ وما ان ظهر نور اليوم التالي، وكان يوم عطلة، حتى انطلقت الى المدرسة والى الادارة، حيث تعمل، لتبحث عن عنوان ذلك الطالب بين الملفات، بعد ان قررت ان تزوره في بيته لتتعرف أكثر عليه وعلى ظروف مرضه ولتعتذر له عما بدر منها في حقه في اليوم السابق.
تبين ل 'جين' من تلك الزيارة ان الطالب يحتاج وفي اقرب فرصة الى عملية نقل كلية! وان اسمه مدرج ضمن قائمة المنتظرين لكلية متبرع، وان عملية الانتظار قد تطول كثيراِ ورغم انه ينتمي لعائلة كبيرة العدد الا ان أيا من كلى اخوته أو أقاربه لا تصلح لكي تنقل له، وهي حالة طبية نادرة.
فقررت عندها 'جين' في حال توافق الانسجة وموافقة الاطباء، على ان تقدم، بمناسبة أعياد الميلاد، هدية لذلك الصبي ولعائلته وتتبرع له باحدى كليتيها (!!).
بقي ان نقول ان عملية النقل ستتم اليوم (21/12/99) والمتبرعة مدرسة كاثوليكية بيضاء في الخامسة والثلاثين من العمر ولديها زوج وثلاثة ابناء، اما الصبي فأسود بروتستانتي المذهب!.
نهدي هذه القصة الى الذين لم يكتفوا فقط بتضييع وقت القراء بسلسلة من المقالات 'الباصجة'، وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، والتي تغنوا فيها بفضائلنا وعفتنا وشرفنا، وكأن لا احد مثلنا! مقابل فسادهم وانحلالهم! بل سبق وان شاركوا بما 'اقترفته' ايديهم، كتابة وفعلا، في ما حرم الله من اعتداء وتشويه!.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top