قصة قديمة، موضوع جديد

التقيت ب 'كنجيرو أيمي' في لندن قبل ثلاثين عاما، (شتاء عام 69)ِ وكنا وسبعة آخرين نشارك في دورة مصرفية مع بنك باركليز البريطاني، وسكنت معه في بيت عائلة انكليزية وجمعتنا اشياء كثيرة منها حبنا للقراءة والحوار في مختلف المواضيع.
في منتصف احدى تلك المناقشات، التي شارك فيها صديق لبناني، اضطررت لمقاطعته اكثر من مرة والخروج عن موضوع النقاش بعد ان فشلت في ان أتبين بدقة مفهومه لموضوع الإله في تراثه الديني القائم على ديانة 'الشتنتو'، وهي الديانة الاكثر انتشارا في وطنه والتي تقوم في المحل الاول على تقديس ارواح الابطال والأباطرة والقوى الطبيعية، وعما يعنيه الله له بمفهومه ومتى يلجأ له وهل يستعين به في تحقيق اغراضه؟.
شرح كثيرا وحاول اكثر واستعمل كافة حواسه ليوضح ما استعصى علي فهمه ولكن وقفت عوائق اللغة والثقافة والخلفية الدينية دون ذلك واستمرت حيرتي.
وعندما عجز عن 'افهامي'، او عندما عجزت عن فهمه سألته عن ردة فعله لو وجد نفسه مثلا في حجرة كبيرة مع أسد يريد ان يأكله وليس للحجرة باب يمكنه من الهرب! فقال: أبحث عن شباكِ فقلت له: لا شباك في الغرفةِ فقال، وكان طويل القامة بشكل ملفتِ أمد رجلي الى اقرب حائطين وأرفع جسدي بحيث لا يستطيع الأسد أن يصلنيِ قلت له بأن الحوائط متباعدةِ فقال: أصرخ فربما يسمعني أحد ويأتي لنجدتيِ فقلت: لا احد هناكِ فقال: اجري في الغرفة لأتعب الأسد فأنا بطل بلادي في الجريِ فقلت له ان الاسد سوف لن يجري خلفك وسيكتفي بمتابعتك برأسه فقطِ فقال: أرمي بجسدي على الارض واتظاهر بالموت وهذا سيعطيني وقتا اضافيا للتفكير في مخرج، فقلت له ان الامر سوف لن ينطلي على اسد جائعِ فقال: سأغني له فقد سمعت بان الاسود عادة ما تنصت لضحاياها، وهذا سيكسبني بعض ما احتاج إليه من وقت لحدوث شيء ما، ففندت هذا ايضاِ قال: أزيل مصباح اضاءة الغرفة واهجم بطرف سلك التيار الكهربائي على الاسد لأصعقه.
فقلت له بان لا اسلاك كهربائية في تلك الغرفةِ واخيرا، وعندما اكتشف بانه استنفد كل ما كان يملك من حلول 'عملية' قال: سوف اصارع الاسد فربما تغلبت عليه!!
فقلت له انه سيضربك على ذراعك الأيمن ويخلعها من مكانها فماذا أنت فاعل؟ فقال: اغمض عيني واستمر في مصارعته وانسى نفسي في خضم كل ذلك حتى اموت.
***
أتذكر جيدا بان اجابته غير المتوقعة والطويلة قد أتعبتني بعد ان طال انتظاري لما كنت أتوقع، أو أود، سماعه لكي افحمه بمنطقي ومفهومي للدينِ فلما لم يستجب لذلك سألته بغضب: ألم يخطر ببالك ان تخر على ركبتيك وتتضرع الى خالقك لكي ينجدك؟ فنظر الي بعينين مشدوهتين واجاب ببراءة لم أكن اتوقعها منه: لا أدري ما الذي تتكلم عنه؟ وعندما شرحت له ما اعني قال إنها المرة الاولى التي يسمع فيها مثل هذا الكلام من احد.
***
يشبه هذا الوضع المواقف المتناقضة والمتباينة التي صدرت من مختلف دول العالم تجاه موضوع 'العولمة'!!
فهناك دول انهارت واستسلمت للقدر منذ اليوم الاول وتركت رياح العولمة تفعل بها ما تشاء!! بعد ان قررت ان تتقوقع على نفسها وتتجاهل شيئا يسمى بالعولمةِ وسيكون هذا لاحقا سببا في ان يكون هذا آخر عهد العالم بها كدولة ذات كيان.
ومن المؤسف ان يكون هذا ما يروج له، وما تقودنا له آراء وافكار واقتراحات البعض من اعضاء اللجان الظلامية في مجلس الامة.
وهناك مجموعة اخرى من الدول التي قررت ان تواجه رياح العولمة بالأساليب والطرق المناسبة وتنفتح على العالم وتجتذب الاستثمارات لمنطقتها وتدخل ميدان العولمة من اوسع ابوابه وتستفيد من الفرص المتاحة قبل ان يتأخر الوقت بها كثيرا.
والحديث ذو شجون ويحتاج الى ان نتطرق له مرة اخرى في مقالات لاحقة.
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top