²أين صاحب العقل الحصيف؟

'ان المهمة المقبولة للحكومة هي ان تجعل عملية القيام بالامور الجيدة سهلة على المواطنين في الوقت الذي عليها ان تجعل من الصعب عليهم القيام بالامور الشريرة!
(جيمي كارتر 1977)
* * *
على الرغم من كل ما نكنه من 'عداء' اخوي مستحب للحكومة وعلى الرغم من كل ما نوجهه لها من نقد، كتابة وشفاهة، الا اننا نشعر حقيقة بالحيرة الشديدة عندما نضع انفسنا مكانهاِ حيث يبدو ان من المستحيل ان تنجح الحكومة في كسب تقدير، ولا نقول حب الشعب لقراراتها مهما حاولت وبذلت من جهد، وأقصد بالشعب هنا طبقة المتعلمين بالذات، مع استبعاد متعمد لطبقة المثقفين والبسطاء من العامة.
ويبدو ان البعض منا، وبالذات فئة الكتاب، قد اختلطت عليهم الالوان ونسوا ان هناك قرشا يمتاز بلونه الابيض والذي يجب ان يحفظ جانبا لليوم الاسود، فقد اصبح القرش لديهم 'بنفسجيا' يغري بالصرف اليوم قبل الغد وبسرعة وقبل ان تنخفض اسعار البترول.
سبق ان طالبنا ونطالب الان وطالب غيرنا ولايزال يطالب بان يتم ترشيد الانفاق قبل فرض رسوم او ضرائب جديدة على المواطنين، وهذا منطق سليم وكلام معقول، ولكن ما العمل ان لم يتم تحقيق هذا الشيء او تأخر وضعه موضع التنفيذ؟ هل نستمر في التبذير والصرف وهدر مئات ملايين الدنانير على دعم الكهرباء والماء والبترول والطب والتعليم كما هو حاصل الان بحجة ان الحكومة مسرفة وان عليها ان تبدأ بنفسها؟ والى ان يتم ذلك فان مسلسل الصرف والتبذير والتضييع والاسراف يجب ان يستمر عرضه بناء على طلب الجمهور؟ وهل يجب ان نصر على تضييع اموال الحكومة والتي هي اموال الشعب في المقام الاول، والتي ايضا تتمثل في موارد مالية شبه شحيحة وطاقة قابلة للنفاد، بحجة ان الحكومة لا تريد ان تفعل شيئا في موضوع الترشيد؟ وهل يقبل اي منا ان يعامله ابناؤه بمثل هذه الطريقة او هذا المنطق؟ والا يعتبر سخفا ان نطالب الحكومة بضرورة قيامها بتخفيض اسعار الوقود محليا لان اسعاره العالمية قد ارتفعت؟ أوليس هذا هو عكس ما هو حاصل في كافة دول العالم بدون اي استثناء؟
نعترف بان الحكومة مخطئة في عدم اتخاذها لزمام المبادرة والبدء بنفسها في مسألة شد الحزام وتقليص النفقات، ولكن هل خطأ الحكومة يبرر خطأ الآخرين ويعفي المواطن العادي في مسؤولية دفع الثمن العادل لما يقوم باستهلاكه من طاقة او ما يحصل عليه من خدمات؟
يقول المثل الاميركي (no taxation no representation) ومعنى ذلك انك عندما تحرمني من حق المساءلة السياسية فانني غير ملزم بالتالي بدفع الضرائب!! ويقول المثل الآخر (no pay no say) اي ما معناه ان من لا يشارك في الدفع فلا يحق له بالتالي الكلام!! وعليه اعتقد بانني عندما ادفع للحكومة ما تطالبني به من اجر عادل، او قريب منه، مقابل استهلاكي للكهرباء او الماء او البترول، فانه من حقي بالتالي كمواطن ان اسائلها عن الطريقة التي قامت بها باحتساب تكلفة تلك الخدمات وعن الكيفية التي صرفت فيها الاموال التي تقاضتها مني ومن غيري نظير تلك السلع او الخدمات.
وسيصبح لي الحق كذلك ان ارفع صوت الاحتجاج عاليا ان تدنى مستوى ما تقدمه الحكومة لي من خدمات مدفوعة الأجر او أن قصرت في توريد ما احتاجه من طاقة او مواد اساسية!! اما الآن فما الذي استطيع فعله او قوله وانا لا ادفع اكثر من فلسين لكل وحدة كهرباء اقوم باستهلاكها في الوقت الذي تتكلف فيه الحكومة 36 فلسا لتوفيرها لي؟ فماذا عساي ان اقول لو انخفض مستوى الخدمة بنسبة 10% مثلا وانا لا ادفع الا 18/1 من قيمتها الحقيقية؟ وهل بامكاني، ذوقا وادباِِ حقا او باطلا، ان اوجه لها اللوم على اي تقصير يبدر منها؟
مجموعة من التساؤلات نوجهها ونرجو ان تجد صداها لدى كل ذي عقل حصيف!!
احمد الصراف

الارشيف

Back to Top