البنوك والاحتيال

بينت الأزمة الاقتصادية التي ضربت المؤسسات المالية في العالم قبل 5 سنوات أن ما أطلق عليه زورا بالمؤسسات غير الربوية لم تكن محصنة من الخسارة، مثلها مثل غيرها، وربما أكثر! كما رأينا أخيرا كيف دخل كبار مساهمي تلك المؤسسات المالية الدينية في خلافات حادة بينهم، بالرغم من انتمائهم لنفس الأحزاب والمذاهب الدينية التي وقفت وراء تأسيسها. كما لم تسلم هذه المؤسسات اللاربوية من قيام بعض كبار ملاكها، وبالذات من أعضاء مجالس إداراتها، بسرقة الكثير من موجوداتها، وبالتالي وقع ما كنا نحذر منه طوال عقود من أن فشل الفكرة المالية الدينية، التي خلقت من العدم، لا يمكن إلا أن يؤثر سلبا على الأصل. ومطالباتنا تلك تنسجم أيضا مع سابق ما قلناه من ضرورة ابتعاد رجال الدين عن السياسة ودهاليزها، ففشلهم في السياسة ينعكس سلبا على أرديتهم، وما تمثله!

يقول د.كامل النجار أن يهود الجزيرة كانوا يقوموا، تاريخيا، بمهام البنوك الحديثة، فكانوا يُسلفون العرب لاحتياجاتهم الشخصية والتجارية، على يردوا لهم الدين زائداً الربح. وجاء الإسلام إلى المدينة، مركز ثقل اليهود، وحرم الربا المضاعف. وبالرغم من تكرار وردود التحريم المضاعف في القرآن، إلا أنه لم يرد اي ذكر للنسبة التي يصبح عليها الأمر غير شرعي ويعتبر بحكم الربا، علما بأن جميع المعاملات المالية التي تتضمن دينا أو تأخيرا في السداد لا بد لها من نسبة ربح لتغطي كلفة المال وإدارة القرض من قبل البنك المقرض، وتغطية مخاطر احتمال خسارة الدين بسبب موت الدائن، أو عجزه عن السداد. ويقول د. النجار أن الأمويون والعباسيون، ومن بعدهم بنو عثمان ومن جاء بعدهم، حتى سنوات قليلة، تعاملوا بالربا. ولكن مع ظهور حركة الإخوان المسلمين بدأت فكرة محاربة البنوك الربوية، والتي كانت في غالبيتها استعمارية. وما جعل لعاب الإسلاميين يسيل للفكرة صدور كتاب الشيخ الشيعي العراقي محمد باقر الصدر بعنوان "اقتصادنا"، عام 1960، والذي أصبح بين ليلة وضحاها مرجع المنظمات الإسلامية المتطرفة، ومنها الإخوان المسلمون.كما ساهمت حرب 1973 وما نتج عنها من إرتفاع هائل في أسعار النفط، وزيادة الفوائض المالية لدى الدول الخليجية بدرجة تفوق احتياجاتها، لأن يتزايد إغراء تأسيس مصاريف إسلامية لكي يتم تحويل جزء من هذه الأموال لجماعة الإخوان المسلمين الذين أصبحوا بفضلها رجال أعمال كبار، وفكروا تاليا في استغلال تلك الأموال في السياسة. وأول من افتتح بنك إسلامي كان المصري، السيد أحمد النجار، وكان ذلك في مدينة مصرية صغيرة، وساعده رجال مصارف من ألمانيا وبعض رجال المخابرات المصرية. وقد ساهم كثير من الإخوان في ذلك البنك. وبنهاية عام 1967 إستولوا عليه تماما مما دفع جمال عبد الناصر لأن يأمر بإغلاقه، فهرب النجار إلى السودان ليكون في حماية الإخوان. ولكن استيلاء النميري على الحكم دفع النجار للهرب إلى ألمانيا ثم الكويت وغيرها ليتفرغ كمبشر بفكرة البنوك الإسلامية، وبالتالي نجح في إقناع السعودية والكويت وليبيا والإمارات/ عام 1975، بفكرة "البنك الإسلامي للتنمية". وفي نفس العام أنشأت الإمارات بنك دبي الإسلامي، وتبعتهم الكويت عام 1977 في إنشاء بيت التمويل، وفي السنة نفسها انشأ البنك الإسلامي في السودان وفي غيرها. كما يعود الفضل في انتشار "موضة" البنوك الإسلامية للأمير "محمد الفيصل" الذي أنشأ بنك فيصل الإسلامي، ومعروف ان البنوك الإسلامية استعانت بالبنوك الغربية لوضع انظمتها! كما دفع تأييد الاسلامية للنظام الرأسمالي الغربي، ضد الشيوعية لأن تحتضنهم الأنظمة الغربية وبنوكها، وليستخدموها تاليا للعودة للأسواق العربية، التي سبق أن كانت فكرة إنشاء البنوك اللاربوية وراء طردهم من الدول العربية! الكلام كثير في هذا الموضوع، وسنعود له في مقالات قادمة.

الارشيف

Back to Top