مأزق البصيري الخطر

لم يحدث في التاريخ السياسي الكويتي، الطويل نسبيا، أن وضع وزير الدولة بكاملها في ورطة ومأزق مالي يصعب الخروج منهما، كما فعل وزير النفط السابق محمد البصيري، ممثل الإخوان المسلمين، عندما قام برفع رواتب موظفي وزارة النفط والمؤسسات التابعة لها بنسب خيالية، مبررا فعلته، في حينه. وفي رد على من احتج على تصرفه، بأن تلك الزيادات لن تكلف المال العام شيئا! ومر تصرفه وتصريحه مرور الكرام من دون أن يستدعي رئيس الوزراء حينها، وهو رئيس وزرائنا الحالي، الوزير ومطالبته بعدم الانفراد بذلك القرار الخطر، أو سؤاله عن الطريقة السحرية التي كان ينوي اتباعها بزيادة رواتب «موظفي» وزارته البالغ عددهم 20 ألفا من دون أن تشكل تلك الزيادة كلفة حقيقية على المال العام!
الورطة تتمثل في انه من الصعب بقاء الوضع على ما هو عليه، إنسانيا وقانونيا ودستوريا، حيث أن بقية موظفي الدولة البالغ عددهم 326 ألفا يجب أن يعاملوا بالعدل والمساواة، لابد ان يتسق ويتوحد السلم الوظيفي الخاص به، خصوصا بعد فشل الخدمة المدنية في فرض رؤيته المتعلقة بتحقيق المساواة بين رواتب جميع العاملين في الدولة. من جانب آخر يصعب جدا رفع مرتبات 326 ألف موظف، لتكون متساوية أو حتى متقاربة من مرتبات موظفي النفط، فهذا ليس بمقدور موازنة الدولة تحمله، ويشكل خرقا لتوصيات كل الخبراء الماليين وتحذيرات البنك الدولي، كما يصعب جدا جدا إلغاء الزيادات التي اكتسبها موظفو النفط بعد مرور كل هذه الفترة الطويلة نسبيا عليها! وفوق كل ذلك لا بد من انقاذ الكويت ومجتمعها من آفة الظلم واهتزاز العدل في مرتبات الموظفين التي تسبب بها الوزير البصيري، ممثل الإخوان حينها في الوزارة، وأصبح من الضروري تدخل المشرع لوضع سلم وظيفي جديد يكون اكثر عدالة، فاستمرار الوضع الحالي عمل غير مقبول ولا قانوني، وضار جدا بمعنويات غالبية موظفي الدولة، ففروقات الرواتب الحالية تشكل دمارا للمبادئ الدستورية وتدفع المواطن، الذي يشعر بالإجحاف، للاستهتار بالدستور وبالقوانين والتراخي في أداء العمل، فهل هناك من يسمع ويقرأ؟ ألم يحن الوقت لكي ينصف صاحب المؤهل العالي، غير المضروب، أولئك الذين يقومون بأداء الشاق والخطر من الأعمال؟ ألم ينتبه من بيدهم الأمر لما أصبح يعانيه القطاع النفطي من تضخم وظيفي هائل وشاذ بسبب رواتب البصيري المجنونة التي دفعت عشرات النواب لتوظيف ابنائهم وأقربائهم في تلك الوزارة لمشاركة بقية موظفيها في نهب ثروات الوطن؟

الارشيف

Back to Top