كلام لا نريد سماعه (1 ــــ 2)

يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي: إن العرب لم يقدّموا أي إضافة نوعية للحضارة الإنسانية، وإن ما يُنسب إليهم من إنجازات فكرية وعلمية كان أصلا من إنجاز أفراد تتلمذوا على الثقافة اليونانية، وإن ما يميّز الغرب هو أن تاريخهم هو امتداد للتاريخ اليوناني والتاريخ الروماني. وقال لقناة «العربية نت»: إن المجتمعات تبقى منتظمة بما هي عليه، ولا تقبل تغيير أفكارها إلا بزلزال فكري وعملي، مشيراً إلى أن العرب أصبحوا يعيقون مسيرة الحضارة الإنسانية، فكل أخبارهم عنف وقتل وقصف ومذابح بالجملة ومقابر جماعية.
وفي سؤال عن كيف كان التكوين الفكري للأستاذ البليهي؟ وما الحدث القوي الذي جعله يبحث في مشاكل المجتمعين الإسلامي والعربي من خلال الفلسفة؟ أجاب بأنه منذ طفولته وعى بوجود فجوة هائلة بين العرب والمسلمين وغيرهم، وبين الغرب من جهة أخرى. فالغرب وحده هو الذي صنع هذه الحضارة العظيمة التي تختلف نوعياً عن كل ما عرفته البشرية خلال تاريخها كله. أما الأمم التي لحقت بهم، فقد تطورت بمقدار من استلهمته منهم. ولهذا شعر وهو صغير برغبة عارمة في معرفة العوامل التي مكّنت الغرب من كل هذا وأبقت غيره من الأمم في أوضاع لا تختلف عن أوضاع أسلافها.
وقال: كنت أقرأ وأسمع دائماً أن أسلافنا كانوا قد حقّقوا تطورات عظيمة، وأن الغرب قد أخذ عن أولئك الأسلاف مقومات حضارته، فرحت أبحث بلهفة في تاريخنا للتعرف عن حقيقة هذا الادعاء وعن أسباب اختفاء هذه المقومات، إذا كان صحيحاً ما يقال، بأمل أن أعثر على ما يؤكد الادعاء ويطمئن النفس. بعد سنوات من البحث تأكدت أننا نحن العرب خرجنا إلى مسرح التاريخ دعاة دين ولم نكن في أي يوم دعاة دنيا. الدين أساسي للإنسان، لكن يجب ألا يكون عائقاً عن بناء الدنيا وتنميتها وتوفير الرخاء للناس في حياتهم الحاضرة. كان اكتشافاً مؤلماً أن أعرف أننا لم نُسهم في تطوير الدنيا، ولم نقدم أي إضافة نوعية للحضارة الإنسانية، وأن ما يُنسب إلينا من إنجازات فكرية وعلمية كان من إنجاز أفراد تتلمذوا على الثقافة اليونانية، وكانوا خارج النسق الثقافي العربي السائد، فكانوا وما زالوا منبوذين في ثقافتنا؛ كابن رشد وابن الهيثم وابن النفيس والرازي وابن سينا والفارابي، وابن حيان.. وغيرهم.
أوجعني هذا الاكتشاف وجابهني هذا التضليل الذي نتناقله بغبطة ساذجة، فنضلل أجيالنا بمزاعم تتعارض تعارضاً صارخاً مع وقائع الحياة العربية في الماضي والحاضر. وحين تحققت من ذلك بقي أن أتعرف على العوامل التي مكنت الغرب من هذا الانفصال النوعي عن أمم آسيا وأفريقيا وغيرهما، مع أن كل أوروبا كانت أقل سكاناً من الصين وحدها، فرحت أبحث في التاريخ الأوروبي فوجدت أن العنصر الأساسي الذي يميز الغرب هو أن تاريخهم امتداد للتاريخ اليوناني والتاريخ الروماني، وأن ثقافة اليونان تمتاز بالانفتاح والحرية والتنوع، وتنفرد انفراداً عجيباً بالفكر الفلسفي، وهو اكتشاف محوري، حيث أدركت أن امتياز الغرب مصدره الفكر الفلسفي، خصوصاً الجانب النقدي. وعرفت أن الذي مكّن الغرب من هذا الاختلاف النوعي هو في طريقة التفكير، حيث صار منتجاً للمعرفة وليس مردداً لما قاله أسلافه فقط، فهو يضيف ويمحو، وبذلك نمت معارفه وقدراته بشكل انفرد به عن العالم وباتت أوضاعه قابلة للتغير المتلاحق والنمو المستمر. كما ظهر لي أن التعليم الجامعي لا يخلق الوعي في مجتمع متخلف، وإنما بالعكس يكرس القيم والتصورات السائدة، ويعمِّق الولاء للواقع.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top