هذه هي الكويت

وصلني مغلف أنيق يحتوي على «سي دي» أغان، هدية من مجموعة «الراي الإعلامية»، مرفق به النص الرائع التالي:
«كانت الموسيقى، ومازالت، رفيقة الكويتيين في إبحارهم وحلهم وترحالهم، فما فرّقه التعب جمعه الصرناي والعود والربابة والطار والمرواس. وما أبعدته الهموم قربته الأيادي المصفقة والقلوب الخافقة. هنا أغان كويتية قديمة زرعت في وجدان أجيال كاملة، نفض عنها شباب كويتيون مسلحون بالموهبة غبار التقليد وطوروها من دون المساس بجوهرها، عادوا إلى التراث.. وأعادوا التراث إلينا.. هي مقطوعات عشر جديدة وجميلة من قناة الراي».
***
لو نظرنا للمكون الاجتماعي لفئات «الشعب الكويتي» لوجدناها متنافرة أحيانا، ومتجانسة أحيانا أكثر. وباعتقادي، ليس هناك، تاريخيا، عامل جمع الكويتيين طوال تاريخهم، أكثر من عامل الفن، بكل ما تعنيه الكلمة من انفتاح ومرح واشتياق للحياة الحلوة، والحنين للأهل والحبيب والوطن. وكان النهّام، أو مطرب سفينة السفر أو الغوص، المعبر عن مكنونات النفس، وعن الشوق للوطن والأحبة، خلال أشهر السفر الشاقة والطويلة، بحثا عن صفقة تجارية، أو حبة لؤلؤ ثمينة في أعماق مياه الخليج. فالموسيقى، والغناء الحزين the blues، خصوصا في الغربة، كانا مصدر التسلية الوحيدة، وأصبحا اليوم جزءا من تراثنا الشعبي، ومن صميم مكونات ثقافة المجتمع التي يجب ألا تضيع، ومن هنا ربما جاءت مبادرة «الراي» بتوثيق هذا التراث في قالب جديد. وجدير بالذكر أن عددا من حكام الكويت كان لهم شغف بسماع الطرب الجميل، وقرض الشعر، وكانت لبعضهم تجارب وضع كلمات أغان جميلة لا نزال نستمتع بها.
***
تزامن إرسال هدية «الراي» مع انتشار رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي، تبين عدة صور «عائلية حميمة» لشخصية حزبية دينية متشددة معروفة، تجمعه وزوجته، ربما، يبدو فيها في حالات لطيفة ومتنوعة، وهما يرتديان أفضل ما لديهما، ويبدوان في قمة سعادتهما واستمتاعهما بالحياة.
علق البعض بشماتة على الصور، واستهزأ غيرهم بها، ولكني وجدت نفسي، ولو متأخرا قليلا، أتعاطف، وإن على مضض، مع صاحبها، فهذه حقيقة الرجل، وهذه رغبته، وليس ما يحاول إيهام الآخرين به من خلال المغمّ من مقالاته، من تجهم وجه وخشونة طبع. فنحن وصاحبنا، والكويتيون عموما، ميالون للمرح، محبون للاستمتاع بالحياة الدنيا، بالرغم من كل ما يكال لها من أوصاف شريرة، والكل، بلا استثناء، متمسك بها، يرغب في النهل من مباهجها، ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وبالتالي فإن كل دعوات البعض للغلو في التدين، والصرامة في التعامل والميل للخشونة في اللفظ والمعيشة، لا تمثل إلا الجانب الظاهر، أو المنافق.
فهم في نهاية الأمر بشر مثلنا، وجميعنا لنا نقاط قوتنا ونقاط ضعفنا، وهي الأكثر، وغالبا ما نبطن أكثر مما نظهر.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top