شكراً لكم جميعاً
شكراً لسعيد «العماني»، الصبي الوفي والرائع، الذي كان يعمل في بيتنا في بداية الخمسينات، والذي لولاه لكانت حياة أمي في ذلك البيت الكبير مرهقة جدّاً.
شكراً لمدرس اللغة الإنكليزية، المواطن الهندي جون، الذي لم أتعلّم منه اللغة بل تعلمت الصدق! فقد رفض، بعد أسبوع كامل من محاولة تطويع مخي الصدئ، لأن يتقبّل شيئاً من اللغة الإنكليزية «الغلجة»، رفض أن يتقاضى أي مقابل، لأنه فشل في مهمته.
وشكرا للهندي ستيورات، «محاسب البارت تايم»، الذي كان يعمل في محل أبي، نصف دوام، والذي كان يساعده في مراسلة الشركات الأجنبية، وتقييد طلبات الشراء، وفتح الاعتمادات المصرفية، وطباعتها ومتابعتها مع البنك، والذي لولا جهوده لما كان باستطاعة والدي استيراد شيء.
وشكرا لسائق التنكر (صهريج الماء) الفلسطيني أبو محمد، الذي كان يوصل الماء الى بيتنا، بعد ان توقف المواطن الكويتي عن توصيلها لنا على ظهر حماره، بعد أن «رشه النفط»!
وشكرا للحلاق اللبناني حسن، الذي كان يقع دكانه في موقع قصر العدل الحالي، الذي كان يعتني بشعرنا، استعدادا للمغازل، بعد أن اعتزل الأخوان الكويتيان صفر وحسن، مهنتهما في سوق الجت، بعد أصبح معيبا أن يعمل الكويتي حلاقا.
وشكرا للبناء الإيراني محسن الذي ساعد جدي في بناء بركة الماء في وسط البيت، والتي كان يتجمع فيها مياه أمطار الشتاء، لاستخدامها في قيظ الصيف.
وشكرا لأخيه الخباز مسعود، الذي إن مرض أو أغلق مخبزه أصيب الحي بأكمله بمجاعة.
وشكرا لآغوب الأرمني الذي أنقذ حياتنا عندما حضر في منتصف ليلة شديدة الحرارة في منتصف شهر يوليو ليقوم بإصلاح ثلاجة البيت، التي لم يعرف يوما اي كويتي كيفية تصليحها، هي والمكيّف.
وشكرا لكل طبيب لبناني وسوري وطبيبة مصرية وممرضة وممرض هندي أو سيلاني أو عراقي، من الذين قاموا بالعناية بنا، يوم لم يكن هناك كويتي واحد يعرف الفرق بين الشوكة والإبرة وبين البندول والبرميت، وبين مرهم الجروح والنامليت.
شكرا لكل مدرس فلسطيني ومصري وسوري وعراقي حضر من بلاده ليعلمنا مبادئ القراءة والكتابة والنظافة والاهتمام بالصحة وكل أمر مفيد آخر.
شكرا لكل وافد ساهم في تعبيد طرقنا، وبناء بيوتنا، وتشييد وزاراتنا، ومباني الدولة العامة، وتصليح مركباتنا، وجمع قمامة الدولة، وحتى الاهتمام بدفن مواتنا، والذين من غيرهم كان أداء مثل هذه الأعمال إما مستحيلا، وإما شديد الصعوبة.
وشكراً لجيش العمال والفنيين والمهندسين غير الكويتيين الذي ساهموا منذ 70 عاما (1947) في استخراج وتكرير وشحن مليارات براميل النفط، ونحن في بيوتنا نائمون!
وحتى مقالنا هذا ما كان بالإمكان لكم أن تقرأوه، لولا عمل سلسلة طويلة من الوافدين: حرّره عراقي، صفّ أحرفه سوري، دققه لغوياً مصري، أخرجه فنياً لبناني، طبع الجريدة هندي، وأخيرا أوصلها إلى صناديق بريدكم لغاية بيوتكم.. بنغالي!
شكراً لهم جميعا، ومنهم جميعا نعتذر على ما صدر من بعض العنصريين والجهلة منا في حقهم، فدينهم في أعناقنا غير قابل للسداد، وجميل معروفهم سنتذكره دائماً.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top