على أية حال
أسير بحياتي، وبخطوات متسارعة، نحو الثمانين، وما بعدها، وأنا سعيد بكل ما فعلته وما قمت به، وهو ليس بالكثير أصلا. ولكن شيئا واحدا طالما أزعجني التفكير فيه، وهو الشعور بأنني لم أكن «إنسانا، أو إنسانيا» بما يكفي، ولم أكن منطقيا بما يكفي، ولم أكن عاقلا بما يكفي، ولم أكن كريما ورحيما وصبورا وعادلا بما يكفي، كما أنا الآن، إلى حد ما. وطالما رددت «ياليتني عرفت وصايا الكاتب الأميركي كينت كيث kent m. keith، عندما كنت في العشرين، أو حتى في الأربعين، لكنت حتما أكثر سعادة واكثر قناعة بما أنجزت وحققت في حياتي، أقول ذلك بالرغم من أنه كتب كتابه «على أية حال» any way بعد ولادتي بفترة طويلة نسبيا.
كنت أود أن أعرف، مبكرا أن البشر غالبا ما يفتقرون إلى المنطق في تصرفاتهم وطريقة معيشتهم، ولا يكترثون غالبا لغير ما هو في مصلحتهم، وان علينا أن نحبهم، كما هم، فنحن جميعا بشر، وليس فينا من هو منطقي في كل شيء، وقد يكون أكثر الناس قربا لنا أبعد الناس عن المنطق.
كما كنت أتمنى لو كنت أكثر جرأة في الإقدام على فعل الخير وأكثر جنوحا للعطف، قبل اليوم بكثير، من دون الاكتراث بما يسوقه الآخرون من اتهامات في حقي بأن لي مآرب واهدافا، وأن أفعل الخير «على أية حال».
وكنت أود بالفعل ان أكون أقل اكتراثا بحقيقة أن الآخرين لا يقدرون الخير، وبالتالي يجب علينا عدم اعطاء الأمر أهمية كبيرة، وأن أكون مدركا لحقيقة أن الخير يسعد المتقبل والمانح، وأن علينا فعل الخير على أية حال حتى لو لم نجد تقديرا لعملنا.
كما كنت أتمنى لو كنت أكثر صدقا وصراحة مع اصدقائي، حتى لو كان ذلك سيعرضني لانتقاداتهم، وربما خسارتهم، فمن لا يقبل الصراحة لا يستحق الصداقة أصلا.
كما كنت اود لو كنت أعرف حقيقة ان الناس يشعرون بالشفقة على الضعفاء، ولكنهم في النهاية يتبعون الأقوياء، لاستمررت في مساندة المستضعفين على أية حال.
وكم كنت أتمنى لو كنت اكثر معرفة بحقيقة ان ما ننفق سنوات في بنائه قد ينهار بين عشية وضحاها، وأن لا أدع ذلك يحول بيني وبين البناء.
كما كنت أود أن أعرف مبكرا حقيقة ان البعض يرفض مد يد المساعدة له، ويغضب من الإحساس بشفقة الغير عليه، وأن ذلك ما كان يجب أن يمنعني من مساعدة الغير على أية حال، حتى ولو أغضبهم ذلك.
كما كان علي أن أتعلم شيئا عن حقيقة أننا مهما أعطينا الآخرين أفضل ما بإمكاننا تقديمه فإن عملنا قد يساء فهمه، وقد نعاقب عليه، ومع هذا كان يجب علي الاستمرار في العطاء، على أية حال.

أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top