بحر نزار وجمعيتنا

يقول نزار قباني في رائعته «رسالة من تحت الماء»: لو أني أعرف أن الحب خطيرٌ جدا ما أحببت.. لو أني أعرف أن البحر عميقٌ جدا ما أبحرت».
وأقول إنني لو كنت أعرف أن بحر الجمعيات الخيرية بهذا التلوث لما أقدمت ولا تورطت ولا بدأت ولا دفعت ما دفعت في تأسيس جمعية الصداقة، ولا قبلت على غيري أن يدفع، ولكنها خطى كتبت علينا (كما يقولون) وعلينا مواصلة الطريق!
عندما دعوت قبل بضعة أشهر إلى تأسيس جمعية خيرية غير حزبية ولا متحيزة ضد أي جنسية أو مذهب أو دين، لتقديم يد العون للمحتاجين في الكويت من مرضى ومعوزين، تلقيت سيلا من الاتصالات المرحبة بالفكرة مع استعداد للتبرع الفوري لها.
بعد انتظار طال في أروقة الشؤون لم ينته إلا بتدخل الوزيرة، أقر ترخيص الجمعية في 9 أبريل الماضي، ومنذ يومها، وحتى ما قبل أسبوعين أو ثلاثة فقط، وأنا أسعى بكل قوتي وعلاقاتي إلى فتح حساب للجمعية في أحد المصارف، لكن جميعها رفضت التعامل مع جمعية خيرية!
أحسست هنا بأن الرفض شكل إهانة موجهة لي شخصياً ولمن معي في مجلس الإدارة، الذين لا علاقة لأي منهم بكل ما طال بعض الجمعيات الخيرية من سوء سمعة، واستغلال ونشاط غير مشروع، وكان لا بد من القيام بشيء، فلا يمكن العمل بغير حساب مصرفي. بعد تردد وممانعة واتصالات مع أعلى المستويات قبل البنك الوطني، شاكراً، فتح حساب لنا.
اعترف بأنني مررت في مرحلة ندمت فيها على فكرة تأسيس الجمعية، وكدت أنسحب من الفكرة كليا. بدأ ترددي منذ اليوم الأول الذي كتبت فيه عن الفكرة. فبالرغم مما لقيته من تجاوب وثقة من قراء تعهدوا بدفع مبالغ كبيرة، وهم لا يعرفون شيئاً عني غير ما أكتب، ولم يسبق لي أن سمعت بأسماء الكثيرين منهم، فإنني شعرت حينها أن المسؤولية كبيرة، فهؤلاء الذين اتصلوا ووضعوا ثقتهم الكاملة في شخصي سأكون مسؤولاً شخصياً أمامهم مستقبلاً. وحيث إنني ألزمت نفسي في نفس المقال بأنني سأتبرع للجمعية بمبلغ ما، ولن اتولى فيها منصباً، فماذا سيكون موقفي من هؤلاء إن واجهوني مستقبلاً بالقول إنهم تبرعوا للجمعية لأنني وراءها، فكيف تركتها أو رفضت إدارتها؟ وهنا كان أمامي أحد طريقين إما الانسحاب من الفكرة، أو الاستمرار فيها، مع عدم شغل أي منصب في الجمعية، وعدم جمع أي تبرعات باسمي.
شعرت بأن عملي سيكون تطوعياً من دون أجر، ومؤقتاً. كما أن كفاءة وحسن سيرة وسمعة من أصبحوا معي في أول مجلس إدارة كانت مصدر راحة نفسية لي.
عاد ترددي ثانية بعد أن اكتشفت مدى ما تسببت به بعض الجمعيات الخيرية، التي تتبع غالبيتها أحزاباً دينية، من إساءة للعمل الخيري، وكم السرقات التي حدثت فيها، وسوء إدارة غالبيتها لأموال الخيرات، وأولئك الذين لاكت الألسن سيرتهم، من الذين سمحوا لأنفسهم باستقطاع نسبة كبيرة من أموالها كونهم من «القائمين عليها»، وكيف عجزت مختلف الجهات الرقابية، الداخلية والخارجية، في تتبع ما قامت بجمعه من أموال، وكيف تم التصرف به، وشك حكومة الدول الأوربية وأميركا أن جزءا كبيرا منها ذهب لتمويل عمليات إرهابية، أو ضاعت في الرمال، ثمنا لأسلحة وذخائر، أو انتهت لحسابات نصابين كبار من مديري أموال هذه المنظمات، وضاعت معها أرواح الكثير من الشباب من دون نتيجة تذكر.
ولكن كل هذا أصبح الآن خلفنا، حيث ستباشر الجمعية عملها، بكل قوة، بعد عطلة الصيف. وسيكون معي في مجلس الإدارة الأول الأختان هيفاء الصقر، ود. فريدة الحبيب، والإخوة حمزة بحروه، عماد السيف، أنور السلطان، وسعود العرفج، فهل بين هؤلاء من يشكل خطراً في التعامل معه في الأنشطة الخيرية؟
وباسمي وباسم زملائي أعضاء المجلس نعد الجميع بأن الجمعية ستكون مميزة، وستعمل بشفافية كاملة، وسيكون لكل عضو فيها، إضافة للجهات الرقابية، حق الاطلاع على سجلاتها في اي وقت، وسوف تلتزم بكل القوانين، وستكون مثالا يحتذى في عمل الخير من أجل الخير، وليس لأي كسب سياسي أو مادي، وسيصب عملنا في النهاية في رفع المعاناة عن كاهل الوافدين المعدمين، ورفع اسم الكويت عالياً كوطن خير وللجميع.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top