150 يوماً لإجازة 150 صفحة

هناك حتما شيء ما خطأ، إما في تفكيري أو في تفكير من يعتقد أنه يمتلك الثقة والمعرفة، وفوق ذلك الحق في أن يقرر، نيابة عني وعن الملايين من سكان الكويت، ما يجب أن نقرأ ونسمع عبر مختلف وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، من صحف وتلفزيون وإذاعة. والطامة الكبرى أن الحكومة لم تكتفِ بفرض رقابتها على ما يحق لنا قراءته من نصوص أو مشاهدته من برامج، بل دفعت المشرع لإصدار قانون «المرئي والمسموع»، لتقحم نفسها والسلطة القضائية في توقيع العقاب على كل من يخالف رؤاها وصراطها غير المستقيم.
ليس من العدل التهجم على من يدير الرقابة على المطبوعات أو المصنفات الأدبية أو الفنية في الكويت، فهم في نهاية الأمر من موظفي الجهاز الحكومي، يطبقون، كالقاضي، الأوامر والنصوص القانونية التي يطلب منهم العمل ضمنها، وعدم تجاوزها. وتعلم هؤلاء من تجاربهم أن من الأفضل قول كلمة «لا» لأي مصنف أو نص أدبي بدلا من قول «نعم»! فـ«لا» ستجعلهم يذهبون غالبا الى بيوتهم وهم على ثقة من أنه لا أحد من مسؤولي الوزارة سيتصل بهم في منتصف الليل ليؤنبهم على إجازة نص لم يلق القبول من مسؤول أكبر. وبالتالي يصبح المنع هو القاعدة، والقرار الأسهل. ويصبح الأمر أكثر تعقيدا عندما تصبح الرقابة بيد من قرر أن يتخذ من الحياة موقفا دينيا ملتزما، وخاصة من الأدباء والمفكرين، وهنا يحضرني قول علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي الراحل: إن من لم يغادر بيئته (أو حدود عباءته) التي نشأ فيها، ولم يقرأ غير الكتب التي تدعم معتقداته، فلا تنتظر منه أن يكون محايدا في الحكم على الأمور! وبالتالي يصعب على من اختار لنفسه موقفا محددا من أمور الدين والدنيا أن يمتلك رؤية واسعة لما يعرض عليه من مواد وأن تكون لديه القدرة على الحكم «بحياد تام» على النصوص الأدبية وإجازتها، خاصة إذا لم تكن تتفق ورؤيته الدينية أو الاجتماعية؟ لا شك أن المسألة معقدة، والإجابة ليست سهلة!
وفي السياق نفسه، يتساءل قارئ وكاتب معروف قائلا: كنّا بالأمس في ديوانية رابطة الأدباء وكنا نسأل أنفسنا عن سبب إصرار الحكومة على محاربة الثقافة والأدب، رغم أنها تدعي العكس؟ ويستطرد: كلما زرنا جمعية تعاونية نجد أن «مكتبتها» تخلو تماما من الكتب، وإن سألنا عنها قيل لنا إن وزارة الاعلام تمنعنا، ووزارة التجارة تخالفنا لأن ترخيص المحل «مكتبة قرطاسية»، والجمعيات أو مستثمرو هذه المحلات لا اعتراض لديهم، فبيع الكتب غير مجد تجاريا، مقارنة ببيع الكباب وحفاظات الأطفال والنخي، وليذهب غذاء العقل إلى الجحيم.
كما أخبرني أيضا أن كل شيء تقريبا يتوافر للبيع في سوق الجمعة عدا نوعين من المؤثرات العقلية، «المخدرات» و«الكتب»، الأولى لأنها تدمر العقل والأخرى لأنها تنيره، ولكن الحكومة دائما «أبخص»!
واخبرني كذلك بأن قرارا سبق أن صدر عن الحكومة قبل سنوات «ألزم» كل الجمعيات عرض إصدارات الكتاب الكويتيين في محالها، ولكن قوى خفية وأدت القرار الحكومي، فبقي القرار واختفت الكتب، فهل يمتلك وزير الإعلام القوة لإحيائه من جديد، وإعطاء الكتاب حقه؟ نتمنى ذلك، خاصة أن هناك بوادر على روح جديدة في إدارة الرقابة، ودعم من الوزير للمشرفين عليها، فيكفينا أن شعوبنا، بطبيعتها، لا تميل الى القراءة، والأقل شراء للكتب، فلمَ نزيد مآسينا بتشديد الرقابة على المؤلفات والمصنفات الأدبية وغيرها؟
نعود الى عنوان المقال ونقول إن وزارة الإعلام، وبعد انتظار طال 150 يوما، وافقت، بالأمس فقط، على إجازة روايتنا «عبداللطيف الأرمني»، التي لا تزيد عدد صفحاتها على 150 بكثير، وبالتالي اصبحت متوافرة حاليا للبيع في مكتبات دار ذات السلاسل في الأفنيوز ومكتبة المطار، وحديقة الشهيد وسوق شرق والمارينا ومجمع الحمرا وغيرها.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top