سوف تمطر

سبق أن كتبت عن موضوع هذا المقال قبل عشر سنوات تقريبا، وقد استجدَّت أمور فكرية تطلبت العودة إلى الموضوع ثانية.
أنفقت مؤسسة تمبلتون الخيرية الأميركية، التي تهتم بالدعوة للبروتستانتية، أكثر من سبعة ملايين دولار، على تجربة بحثية بإشراف الدكتور هيربرت بينسون، طبيب القلب في مركز مايند أند بدي mind and body في بوسطن، لإثبات تأثير الأدعية ودورها في التعجيل بشفاء المرضى.
أجريت التجربة على 1802 مريض، موزعين على 6 مستشفيات متباعدة عن بعضها، وجميع من أجريت التجارب عليهم سبق أن خضعوا لعملية الشريان التاجي، التي كانت خطيرة في حينها، فقسموا المرضى على ثلاث مجموعات: الأولى، رفعت الصلوات من أجلها في الكنائس، ولكن دون علم أحد من أفرادها المرضى بأنهم تحت المراقبة. أما المجموعة الثانية، فلم تقم الصلوات من أجلها، ولم يتم إعلامها بشيء! أما المجموعة الثالثة، فقد تم إعلامها بأن الأدعية سترفع في الكنائس من أجل التعجيل بشفائها.
انصب الهدف على مقارنة النتائج بين المجموعتين الأولى والثانية، وملاحظة تأثير الدعاء أو عدمه عليهما، أما المجموعة الثالثة، فقد تم اختيارها فقط لملاحظة التأثير النفسي على أفرادها نتيجة الدعاء.
بدأ تطبيق التجربة من خلال تلاوة الأدعية في تجمعات من ثلاث كنائس في ثلاث مدن أميركية تتبع ولايات متباعدة ومختلفة. وقام الدعاة بالدعاء بشفاء المرضى، مستخدمين أسماءهم واحدا واحدا. كما تم توحيد الدعاء في الكنائس الثلاث ليكون جملة محددة لا تزيد ولا تنقص. وقامت مجلة القلب الأميركية الشهيرة بنشر نتيجة التجربة، التي تبين منها أن الأطباء لم يجدوا فرقا في صحة من تلقوا الدعاء، من المجموعة الأولى، مقارنة بالذين لم يعرفوا بوجود دعاء، وبين من لم يتلقوا الدعاء.
ولكن المفاجأة كانت أن من عرفوا بالدعاء وتلقوه، أي المجموعة الثالثة، فقد تدهورت صحة أفرادها، وحصلت لبعضهم مضاعفات سيئة نتيجة معرفتهم المسبقة بأن الناس سيدعون لهم في الكنائس بالشفاء، فقد أثر الاجهاد النفسي عليهم كثيرا، نتيجة القلق الذي صاحب الأدعية، عن مدى حقيقة حالتهم الصحية، بحيث تطلب الأمر قيام الناس بالصلاة من أجل شفائهم في الكنائس.
ما ينطبق على المجتمعات الغربية لا يعني بالضرورة انطباقه على مجتمعاتنا، فنحن لا شك أفضل منهم في الروحانيات. ولكن من الواضح أننا كشعوب عربية نكثر من الدعاء، بسبب وبغير سبب، ويقول المثل المصري «كثر السلام يقلل المعرفة»، بحيث أصبح الدعاء في الغالب كلاما مرسلا لا معنى له غالبا. وتظهر سلبيته باكتفاء البعض به، بدلا من القيام بما يفيد، أو يمنع الضرر. فعند التحضير لأمر ما نكتفي غالبا بالدعاء بأن يحمينا الله، ولا نأخذ الحيطة ونتزود بمظلة مثلا، متمتمين بـ«إن شاء الله لن تمطر»، بدلا من مراجعة نشرة الأرصاد مثلا!
المحزن والمضحك أن «كل» الأمم التي دعونا عليها في السنوات الخمسين الماضية بالخراب أصبحت أفضل منا، وأصبح وضع غالبيتنا في الوقت نفسه أسوأ مما كان عليه بكثير.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top