البيت ليس للبيع

أفرجت الرقابة، بعد تلكؤ طال، عن روايتي «عبداللطيف الأرمني»، قبل فترة، وبالرغم من أن كثيرين سألوني أين يمكنهم الحصول عليها، فإن ما بيع من نسخها لا يذكر، وهذا يأخذنا الى موضوع مقالنا اليوم.
ذهب رجل الى مكتب عقاري وطلب عرض بيته للبيع، فقام صاحب المكتب بزيارة البيت ونصح صاحبه بطباعة كتيب مصور، بروشر، يبين مزاياه، مع بعض الصور التوضيحية، فوافق صاحب العقار على العرض.
بعد أسبوع دخل على صاحب البيت زميل له في مكتبه، وقال إنه سمع بعرض بيته للبيع وانه يبحث عن بيت آخر، فأجابه بنعم، هنا قام الزميل بتسليمه بروشر أنيقا كان بيده، وقال انه استلمه للتو من صديق لهما، وقد يكون البيت الحلم الذي يبحث عنه بالفعل، بعد أن يبيع بيته.
تبين لصاحبنا، من تصفح البروشر، أن البيت مميز بالفعل فهو يحتوي على أربع غرف نوم، ومفروش بالكامل، ويمتاز بتصميمه الرائع وبنائه المتين، وأبوابه المصنوعة من نوعية صلبة من الخشب الماهوجني، ومسكات أبواب نادرة، من طراز لويس الرابع عشر. أما الشبابيك ففرنسية في تصميمها العالي، ومحصنة ضد السرقة. كما يحتوي البيت على ثلاث صالات واسعة، وواجهته شرقية تجعله دافئا شتاء ومنعشا صيفا. كما يتمتع بموقعه المميز، فهو قريب من مواقف سيارة الأجرة ونظام النقل الجماعي، إضافة الى قربه من سائر الاحتياجات الأخرى من كنيسة وسوبرماركت صغير، ومطعمين مميزين ومصبغة ومخبز وغيرها من الخدمات الضرورية، هذا غير وقوعه بالقرب من حديقة عامة واسعة، إضافة الى موقع البيت المميز في منطقة هادئة وراقية يندر فيها مرور السيارات، خاصة في الفترة المسائية.
قلب مالك البيت الكتيب بين يديه بعد أن تمعن فيه، وقال لنفسه انه طالما تاق لامتلاك بيت بهذه المواصفات والمزايا، وقام بالاتصال بالسمسار للسؤال عن سعر ذلك البيت، وعن إمكانية شرائه، بعد ان ينجح في بيع بيته المعروض للبيع، فتعرف السمسار على صوته ورد عليه ضاحكا بأن الكتيب الذي بين يديه يخص بيته، المعروض للبيع!
هذا مثال على أننا لا نعرف حقيقة ثمن ما نملك، ولا نقدر قيمة ما حولها من بشر وحجر، وغالبا ما نأخذ الكثير من الأمور كمسلمات، ولا نعرف أو نقدر قيمة الوالدين أو الأهل أو الأقارب والأصدقاء المخلصين، إلا بعد فقدهم، أو حتى بعد سماع الآخرين يتكلمون عنهم ويصفون طيب وجميل خصالهم. فلو قدم لنا غريب مثلا خدمة، ولو صغيرة فإننا غالبا ما نشكره بحرارة، ولكن لو قام قريب أو صديق، أو حتى أب أو أم، بتقديم نفس الخدمة لنا، وحتى أكبر منها، فإننا عادة لا نكترث كثيرا بشكرهم، ونعتبر الأمر «تحصيل حاصل»، وهذه مأساة بالفعل، ومن طبائع الغالبية منا.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top