صاحبنا الخبيث والتفكير النقدي

يحلو للبعض، إما جهلاً وإما خبثاً، السخرية من مطالبات الكثيرين بضرورة تعديل مناهج المدارس الحكومية، خصوصاً في المراحل الأكثر خطورة في تشكيل عقل النشء، وذلك بالقول إن وزراء التربية في الكويت كانوا في غالبيتهم ــــ إن لم يكونوا جميعاً ــــ من الليبراليين او من المحسوبين عليهم. وهذا معناه، برأي هؤلاء الخبثاء، أن المناهج لا غبار عليها، ولا تحتاج أي تعديل أو تطوير، ولو كان الأمر غير ذلك لما تردد هؤلاء الوزراء، الحالي ومن سبقه، في تعديلها!
وصفت القائل بالخبيث؛ لأنه يعلم جيدا أن من الصعب ــــ إن لم يكن من المستحيل على أي وزير تربية، مع احترامي لأغلبيتهم ــــ الاقتراب من المناهج الدراسية، وفي مواد التربية الدينية بالذات، من دون ضوء أخضر من جهات أعلى، وهذه الجهات كانت تقف أحيانا ضد تعديل حتى كلمة واحدة، بشهادة هؤلاء الوزراء لي شخصيا، أو من فوق منبر عام، فما بالك بمنهج كامل؟
ومن الأمثلة على حاجة مناهجنا للتعديل ما ورد في كتاب التربية الإسلامية للصف السابع، المرحلة المتوسطة، عن المواضيع البالغة الأهمية التالية، في الفهرس:
1. الإيمان بالغيب وأثره في الحياة.
2. صفات الملائكة وحقوقهم، أو (حقوقها).
3. وظائف الملائكة في الدنيا والآخرة.
وفي باب محدودية العقل وردت النقاط التالية:
العقل هو الفهم والإدراك والعلم والتمييز بين الخير والشر وإمساك النفس عن الأمور القبيحة. فالعاقل إذاً هو من عرف الخير فلبّاه، وعرف الشر فتركه، ومن يفعل ما يضره فهو مثل من لا عقل له. ومحل العقل هو القلب (!!) وللعقل علاقة قوية بالرأس الذي به قوى التفكير (!!)
وبين المقرر أن مجالات العقل تكمن في الأمور الأربعة التالية:
1 – الدعوة لتدبّر آيات الله، والتعرّف على قدرة الله.
2 – توجيه العقل إلى تدبّر آيات الله في الكون وللتعرف على أسراره.
3 – توجيه العقل لتدبّر حكمة التشريع لاستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية.
4 – إرشاد العقل إلى تدبّر السنن الربانية التي تجري في حياة البشر، كتأييد الله للمؤمنين وإهلاك الظالمين.
كل هذا جيد طبعاً، ولكن أين دور العقل في مجال العلوم واستنباط الحلول للمشاكل التي تواجه الإنسان منذ مولده وحتى مماته؟
وأين دور العقل في الاكتشافات والاختراعات؟
وأين دور العقل في إنتاج الأدوية واكتشاف الأمصال واختراع الأجهزة الطبية وتطوير العلاج في كل ميدان؟
ويستخلص المقرر في النهاية إلى أن العقل محدود القدرات، وعجزه وتخبّطه وقصوره في فهم المعارف الضرورية أمر واضح! وبالتالي، فإن البشر، مهما أوتوا من الفهم والعقل والذكاء، فلا يمكنهم أن يستقلوا بعقولهم «بالتنظيم العام المصلح للأمة بأكملها».. هكذا وردت!
ولا أدري حقيقة كيف يمكن لطالبة أو طالب في عمر الحادية عشرة معرفة وإدراك مثل هذه المصطلحات والدروس؟
هذه ليست إلا أمثلة عابرة، وملاحظات سريعة، حيث يصعب الغوص أكثر في مثل هذه المسألة الشائكة، فمن دون التعليم المميزّ وتشجيع الطلاب والطالبات على التفكير النقدي critical thinking فإنهم سيبقون والأنعام سواء، والأمثلة أمامكم.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top