الكاميرا والمعجزات!

المعجزات هي الأمور الخارقة التي لا تتفق وطبيعة الأرض ولا القدرة البشرية، كطيران الإنسان وتواجده في مكانين في وقت واحد، وغير ذلك. وظهر في رسم بياني طريف أن عدد المعجزات في العالم كان كثيفاً وكبيراً في الماضي السحيق، لكن عددها بدأ بالتناقص مع تقدم البشرية وزيادة المعارف وتصاعد وتيرة الاكتشافات وظهور تفاسير للكثير من الظواهر التي كانت تعتبر خارقة، ثم تبيّن انها جزء من حركة الطبيعة. استمر تناقص المعجزات حتى وصل الى درجة الصفر مع اختراع كاميرا التصوير الفوتوغرافية أو السينمائية، بحيث أصبح من الصعب إقناع الآخرين بوقوع معجزة ما من دون تقديم دليل عليها، أما ما يقوم به البعض من أعمال خارقة، فهو لا يعدو أن يكون نوعاً من خفة اليد والذكاء في إيهام الآخرين بعكس ما يرونه، وبالتالي نجد أن هؤلاء السحرة يطلبون عادة من العاملين معهم التوقيع على إقرارات بعدم الإفصاح عن الخدع التي يتبعها الساحر في ألعابه، لكي لا ينكشف سره. كما بيّن الرسم أن المعجزات، التي أصبحت صفرا مع اختراع الكاميرا بدأت بالظهور ثانية والازدياد في السنوات القليلة الماضية مع انتشار استخدام «الواتس أب»، بحيث أصبح الكثيرون يؤمنون، ويقسمون على ذلك، بأنهم شاهدوا صوراً وافلاماً تقارب المعجزة، كفيلم قيام أسراب من طيور البطريق بالطيران لآلاف الأميال مهاجرةً من منطقة لأخرى. أو القسم بأن رئيس دولة ما صرّح بكذا وكذا، وتصديق ذلك على الرغم من ان التصريح كان «فوتوشوب». وهناك عشرات، لا بل آلاف الحالات والقصص المماثلة التي حوّلت أحداثاً سخيفة إلى معجزات مخيفة في أعين الكثيرين، وهذا من أخطر مضار «الواتس أب» وتأثيره السلبي في عقول حتى العقلاء منا. ومع زيادة أعداد هذه الخدع وتكرار اكتشاف عدم صحتها، أصبحنا نتردد أكثر في إعادة إرسالها إلى الغير، لكن تقنية التزوير والتلاعب وصلت الى مراحل متقدمة يصعب فيها، حتى على الخبير، كشفها. فقد أصبح بالإمكان اختيار مقاطع محددة من خطب الرئيس الأميركي مثلا، ومعالجتها ثم وضعها في خطاب بصوته وصورته وكأنها صادرة عنه، مع الإتقان التام لحركة الشفتين وحركات الوجه، وبالبحث أكثر نجد أن الموضوع، أو الخطبة برمتها «مفبركة». وبالتالي، علينا أن ندرك جميعاً، كما في الحياة العادية، أن المجرم عادة يسبق رجل الأمن دائماً بخطوة أو أكثر. فذهن المجرم أو محترف الاحتيال يتفتق يومياً عن فكرة نصب جديدة يقوم بتطبيقها، وعلى رجال الأمن كشف جريمته واللحاق به، وليس العكس، فمجرمو أو مزوّرو ومفبركو الكليبات والصور والأخبار يتقدّمون على من تكمن مهمته في كشف التزوير، وما علينا في هذه الظروف غير الشك في كل شيء.. كل شيء تقريبا، وعدم الاستعجال مطلقاً في إرسال أي خبر قبل التيقن تماماً من صحته، وهذا عادة لا يتطلب غير الصبر لساعة تقريباً، فإن لم يرد إليك من مصادر أخرى، فهو غالباً غير صحيح. ونأمل من أحبتنا آل المطوع التخفيف والتأنِّي في إعادة الإرسال.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top