لقد خرجت من الظل أخيراً

ذكرنا في مقال الأمس أن ظهور الكاميرات أوقف ادعاء البعض بالمعجزات. وفي مقال اليوم سنبين أن ظهور الكاميرات والأطباق اللاقطة حقق اليوم الكثير من المعجزات.

***

كنت أقضي إجازة دراسية في لندن صيف عام 1969عندما التأم شملنا في ليلة 21 يونيو أمام التلفزيون الصغير في بيت مضيفنا المستر هيل لمشاهدة بث حي لهبوط رائد الفضاء «نيل آرمسترونغ» على سطح القمر. كنا خمسة أفراد ومن جنسيات وثقافات مختلفة، وكانت ليلة غريبة في أحداثها، وما تخللها من نقاش وجدال طال حتى ساعات الصباح الأولى، وبقيت ذكراها حتى اليوم. بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على أحداث ذلك اليوم، فإن تأثيرها على نفسيتي بقي كما هو، هذا بخلاف تأثير الحدث نفسه على البشرية ككل، ومع هذا لا يزال الكثيرون، وبالذات من جماعتنا، يعتقدون بأن هبوط الإنسان على القمر لم يكن إلا كذبة وخدعة هوليوودية بامتياز، وان الإنسان لم ولن يغادر أرضنا… المسطحة، ولكن التاريخ لا ينتظر المغفلين لكي يقتنعوا! في العاشر من الشهر الماضي، دخل الجنس البشري مرحلة جديدة من تاريخه، فلأول مرة تنجح أجهزته اللاقطة والتصويرية العظيمة القوة في الوصول لأبعد نقطة حتى الآن وتصوير أحد الوحوش الكونية البعيدة المنال، وهي الثقوب السوداء، التي تنبأ آينشتاين يوماً بحتمية وجودها من دون أن يراها بالطبع، وهي النظرية التي أكد عليها علماء آخرون منهم البريطاني «ستيفن هاوكنز»، وكل هؤلاء رأوا بعقول العلماء وليس بعيونهم، أن لا بد من وجود ثقوب سوداء عملاقة لتفسر لنا كيفية وجود هذا الكون الهائل الحجم. فهذا الثقب يزيد حجمه بـ5، 6 مليارات مرة عن حجم كتلتنا الشمسية، الهائلة أصلاً. كما يبعد الثقب عنا بمسافة 53.5 مليون سنة ضوئية، وهو يدور باتجاه عقارب الساعة. وعند العرض الأول لصورة الثقب الأسود وقف علماء وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» إجلالاً لها، وهي المرة الأولى التي يقف فيها هذا العدد من العلماء الأفذاذ احتراماً لصورة، والسبب أنها أثبتت صحة ما كان العلم ينادي به من نظريات عن نشأة الكون. لقد اهتم العالم المتقدم أجمع بهذا الكشف العلمي الفذ الذي أزال شكوكاً وأوهاماً كثيرة، وحدد بدقة علاقة كوكبنا، التافه جداً بصغره، بكواكب ونجوم وأجرام الكون الأخرى، وسيفتح هذا الكشف حتماً آفاقاً واسعة من المعرفة على البشرية، وستظهر نتائج ذلك قريباً في مختلف الصور..! وبينما ينشغل العالم الفهمان بمثل هذه الاكتشافات الفذة، ينشغل عالمنا التعبان بدفن الضحايا الذين سقطوا برصاص «أعدائنا»، وأحاديثنا وخططنا المتعلّقة بإيقاع إصابات أكبر بينهم!

أحمد الصراف



الارشيف

Back to Top