الكويتي الصائم في لندن

انتهى العالم المسيحي قبل أيام فقط من صيامه السنوي، وأجزم بأن لا أحد له علاقة أو تعامل مع موظف أو عامل مسيحي صائم لاحظ ذلك، أقول ذلك من واقع تجربة طويلة تمتد لستين عاما تقريبا، وفي أكثر من مجتمع ودولة. فصيام المسيحي صامت لا يثقل به على غيره، ولا يتأثر عملهم، أو تقل إنتاجيتهم خلاله، ولم يشعرني العاملون معي منهم يوما بأنني يجب أن «أخضع» لشروط صيامهم وأراعي ذلك بدقة، أو يحملوني «الجميلة» أو المنّة لأنهم صائمون. كما لم أكن ألاحظ أنهم «دخلوا» الصيام إلا مصادفة، وذلك عندما يقدم لهم طعام فيعتذرون عن تناوله بحجة الصيام، وبالتالي لا ترى نفوسا «شينة» ولا ترى فيهم فجأة عصبية زائدة وقلة صبر لامتناهية، أو ميلا للسهر غير المبرر والشكوى من التخمة، ولا يقوم اي منهم بتحميل الآخر منة صيامه، ولا تأخر في الحضور للعمل بحجة الصيام والقيام، ولا قلة في الإنتاجية بحجة «ما لي خلق»، بل تسير الأمور غالبا معهم بشكل طبيعي لأن الأمر يحتوي على روحانية جميلة يفتقدها الكثيرون في مجتمعاتنا. فهم مثلا لا يطلبون من غيرهم، حتى في أكثر مجتمعاتهم تشدّدا، أن يغلقوا مطاعمهم أو عدم تناول الطعام أمامهم. ولا يقومون بجلد الفاطر، حتى لو كان غير مسلم، ولا سجنه لأنه أخطأ وجرح «مشاعر المؤمن الرقيقة» التي تصبح خشنة فجأة متى ما وطأت قدمه بلاد الكفار، حيث نجده يكمل صيامه ويتأقلم من كل مظاهر الأكل والفسق والفجور من دون ان تثنيه عن دينه، ولكن ما إن يعود ثانية لوطنه حتى يعود كما كان في السابق. إننا بحاجة للترويج من منابر المساجد ومن خلال كل وسائل الإعلام للإسلام المتسامح الذي يقبل الآخر.. كما هو. فلماذا لا نصوم في دولنا ونتصرف كما يصوم ويتصرّف مئات ملايين المسلمين في الدول غير المسلمة؟ ولماذا نصبح مسلمين افضل، ومتسامحين وقابلين لكل الأوضاع، عندما نسافر في رمضان لدولة كافرة مثلا، ولماذا لا نشعر بتأثر صيامنا إن وجدنا مطعما مفتوحا، ونصبح عكس ذلك عندما نعود للكويت؟ ولماذا لا نصوم بصمت ومحبة واحترام كما يصوم ملايين المسلمين في دول العالم الأخرى كماليزيا واندونيسيا وتركيا، وتونس، من دون تشدد غير مبرر ولا عنف غير مستساغ؟ لماذا يجب أن نتأخّر في الحضور لأعمالنا صباحا وتنخفض إنتاجينا لحدها الأدنى في رمضان، وتتعطل مصالح البشر لشهر كامل، وينعكس ذلك حتى على غير المسلمين منا؟ أليس العمل عبادة؟ أليس السعي لكسب الرزق عبادة؟ ألا يقل دخل الدولة القومي بنسب كبيرة إن انخفضت الإنتاجية؟ كيف يمكن أن نفكر في مشاريع ضخمة كإقليم الحرير، ونحن بهذا التشدّد والحنق الدينيين؟ أنا لا أطالب بالكثير إن قلت إننا بحاجة في الكويت، ومالي شغل بغيري، بأن يكون صيامنا، ككويتيين في الكويت كصيام الكويتيين أنفسهم في لندن، سواء من العاملين فيها أو من زائريها، وما يصح على هؤلاء يجب أن يصح على غيرهم في الكويت. وبالتالي لا حاجة لكل هذا التشدد غير المبرر، فلنجعل صيامنا حضاريا ومتسامحا ومحبا وليس قاسيا وعنيفا وناكرا على الآخرين حقوقهم في العيش بصورة طبيعية.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top