مقال منعت القبس نشره

البخاري ... نبيل الفضل وأنا
كتبت قبل ربع قرن تقريبا مقالا عن "صحيح البخاري" وكيف إن صاحبه ذكر أنه قضى 16 عاما في جمع 600 ألف حديث، وخرج بما يقارب 6000 حديث صحيح! وذكرت في المقال بأنني قمت بإجراء عملية حسابية وصلت فيها لنتيجة أن كل حديث صحيح يتحكم في تصرفات الكثير من المسلمين منذ أكثر من ألف عام لم يستغرق من البخاري أكثر من خمس دقائق فقط ليجزم بصحته، علما بأنه قام بعمله بعد أكثر من 300 سنة من وفاة النبي.
كان ملفتا في حينه كم الهجوم الذي تعرضت له، والذي كان في غالبه غير عقلاني، وقلة قليلة وقفت معي منهم الصديق "هشام السلطان"، والزميل في "الوطن" والنائب تاليا المرحوم "نبيل الفضل"، وكان موقفه سببا لنشوء صداقة بيننا، غريبة نوعا ما، دامت حتى آخر أيامه!
تذكرت ذلك المقال وأن أقرأ الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في مصر نهاية أكتوبر الماضي والذي ألزمت به شيخ الأزهر بتنقية وتنقيح كتاب صحيح البخاري من الأحاديث المدسوسة، وانتظرت طويلا ولم يحصل شيء، وهذا ما كان متوقعا اصلا فليس من السهل على الأزهر الاعتراف بحاجة كتاب البخاري للتنقية والتنقيح، فهذا يعني عدم صحة آلاف الفتاوى التي صدرت بناء على أحاديث غير صحيحة. وحتى إن قرر الأزهر التجاوب مع الحكم، فما هي المعايير التي سيتبعها في التحقق من صحة حديث من عدمه والكتاب يحتوي على 6000 حديث؟ ومن الذي بإمكانه الجزم بصحة حديث عن آخر؟ وما هو حكم أو مصير الأحكام المدنية، وخاصة الشرعية، التي صدرت بناء على أحاديث تبين لاحقا أنها قابلة للإلغاء؟ وماذا عن كتب "الصحاح" الأخرى، سنية كانت أم ما يوازيها لدى أصحاب المذاهب الأخرى؟
وهنا يجب التذكير بالدور الذي لعبه الموسوعي العراقي "كوركيس عواد". فعواد المولود عام 1908 كان يعمل أميناً لمكتبة المتحف العراقي. ومن واقع عمله جمع وحفظ كما هائلا من الملازم والكتب القديمة والمخطوطات الدينية الإسلامية وغيرها. وكان يهوى نبش الأقبية وكوّاة خزائن المعابد والأضرحة والكهوف بحثا عن الكتب والمخطوطات، وأصبح مع الوقت مرجعا كبيرا في مجاله.
تبين لعواد أن المخطوطات اليونانية واللاتينية التي كتبت في الحقبة الممتدة بين ظهور المسيحية وظهور الإسلام كانت بوجه عام تؤرخ بالتاريخ الميلادي (الغريغوري). أمّا المخطوطات الإسلامية فكانت في الغالب تؤرّخ بالتاريخ الهجري.
وكان من عيوب الأخيرة أن كثير منها وصلنا بغير تاريخ، وما وصل جاء غفلاً من أسماء مؤلفيها، كألف ليلة وليلة، ورسائل إخوان الصفا، والعيون والحدائق في أخبار الحقائق. كما كانت هناك كتب أو مخطوطات تنسب لأكثر من مؤلف، ويرجع ذلك إلى جهل النساخ. كما تبين له وجود الكثير من التزييف، واختلافات بين النسخ الخطية للكتاب الواحد، وهذا يرجع إلى النساخ من جهة، وإلى مسألة الحروف العربية بسبب تشابهها قبل التنقيط، فالباء والتاء والثاء مثلاً تتشابه في الرسم وتختلف في النقط. ومثل ذلك الجيم والخاء والفاء والقاف. وكذلك وجود الحركات، فإذا إختلّ استعمالها وقع الخطأ في القراءة. وهذا أيضاً لون من التزييف.
وتبين لعواد عدم وجود اي مخطوط عربي يعود تاريخه لأكثر من 500 عاما، وبالتالي فإن ما بين أيدينا من سير وروايات وصحاح لا يعرف شيء عن أصولها التي طبعت منها النسخ الموجودة بين ايدينا، وإن وجد شيء من المخطوط الأصلي فلا يتعدى الأمر بضع ورقات في هذا المتحف أو تلك المكتبة.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top