ماذا لو كنت سفيراً؟!

تزامن استقلال الكويت في بداية ستينات القرن الماضي مع مطالبة عبد الكريم قاسم بضم الكويت للعراق. تطلّب الأمر حينها تحصين الجبهة الداخلية، وشنّ حرب دبلوماسية خارجية لتوضيح موقف الكويت من مطالبة قاسم. وأتذكر أنني سرت يومها في تظاهرة بالسيارات، وأنا أحمل قطعة قماش بيضاء من البافتا دونت عليها: «رصاصة في جبد الزعيم».

* * *

لعبت الدبلوماسية الكويتية في تلك الأيام دورا مميّزا في شرح حقوقنا المشروعة في وطن آمن ومستقل. وكان لنخبة من السفراء الكبار دورهم البارز في مختلف الحواضر والمحافل الدولية؛ كالأمم المتحدة والجامعة العربية، وكان بعض هؤلاء مواطنين من غير المسلمين، وربما لهذا لم يُكرَّم أي منهم بإطلاق أسمائهم على أي شوارع أو قاعات دبلوماسية أو غيرها.. بعد وفاتهم!! مع تزايد دور الكويت في محيطيها العربي والدولي تزايدت الحاجة الى سفراء مؤهلين لتمثيل الدولة بصورة مشرفة. اكتشف غالبية هؤلاء تاليا مدى الغبن الذي لحق بهم، حيث تسبّب وجودهم شبه الدائم في الخارج لعدم المشاركة في موجات ارتفاع أسعار الأراضي والأسهم. كما فات بعضهم المساهمة في تأسيس الشركات والبنوك، التي كانت أسهمها شبه مجانية من الدولة في البداية، أصبحت تاليا تساوي الكثير. كما لم يعبأ بعضهم حتى بامتلاك ارض أو بيت سكن خاصة به، وعندما عادوا للوطن بعد سنوات خدمة طويلة في الخارج لم يجدوا أمامهم غير استئجار شقة للسكن فيها. مع تزايد الحاجة لدماء دبلوماسية جديدة، جرت إحالة الكثير من الدبلوماسيين، مميزين وغيرهم للتقاعد، وكان البعض من هؤلاء في قمة عطائهم. كما اكتشف هؤلاء عدم وجود جمعية أو رابطة أو نادٍ دبلوماسي يجمعهم، أو جهة تستفيد من خبراتهم المميزة، ومن هؤلاء السفراء فيصل راشد الغيص، وأورد اسمه كمثال، وليس على سبيل الحصر. فقد تميّز هذا الدبلوماسي العتيق بالكثير من الصفات، فإضافة لكونه مؤهلا جامعيا بصورة مميزة، وصاحب خبرة طويلة ويمتلك ذاكرة قوية، ولديه مخزون لا يستهان به من المعلومات العامة، فإن لديه أيضا ملكة تعلّم اللغات، فهو يتقن التحدّث والكتابة بالعربية بصورة عالية، ويتقن البرتغالية، والإنكليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية، كما لدية قدرة معقولة على التحدث بالصينية والفارسية، والإيطالية. وقد استخدم معرفته بهذه اللغات في عمله وفي دفاعه عن قضايا وطنه، حيث ألقى الكثير من المحاضرات، وشارك في عدد كبير من الندوات وكتب المقالات، وقام بذلك غالبا بلغات الدول، التي مثّل الكويت فيها سفيرا؛ كالبرازيل وعدد من دول أميركا الجنوبية، وعندما عمل سفيرا في النمسا وألمانيا وعدد آخر من الدول الأوروبية. كما عمل سفيرا في الصين، وعمل ممثلا مقيما للكويت في منظمة أوبك في فيينا، وسفيرا مميزا في عدد كبير آخر من الدول، قبل ان يتقاعد، بعد أن نال شهادات تقدير وأوسمة عالية من رؤساء دول ومنظمات. أحيل السفير الغيص الى التقاعد قبل عشر سنوات تقريبا، وهو في ذروة عطائه، وعدم استعانة وزارة الخارجية بخبرات ومهارات هذا السفير غير العادية، وغيره من السفراء المميزين، أمر يدعو للحيرة. وعليه، نتمنى على وزير الخارجية، المعروف بسعة أفقه، التفكير جديا في الاستفادة من خبرات هؤلاء في كثير من المجالات الحساسة.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top