الإرهاب على وجوههم وفي قلوبهم

اتهمني أحد أدعياء الفضيلة والشرف بأنني مدعي ثقافة، وأنني أستعين بـ«قوقل»!! ولم يدرك هذا المدعي أن الاستعانة بـ«قوقل» لا تختلف أبداً عن الاستعانة بالمراجع والكتب والفهارس والقواميس، كما أن مهمة البحث في «قوقل» ليست بالسهلة، كما قد يتخيل البعض. يقول بابكر فيصل بابكر، الباحث السوداني في تاريخ الحركات الدينية، إن الكثير من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين يقولون إن الأفكار التي تدعو لاستخدام القوة لتغيير الأوضاع لا تمثل بنوداً أصيلة في المنهج الذي أرساه المؤسس حسن البنا، وإنما هي مجرد اتجاهات طارئة فرضتها ظروف السجن والتعذيب التي جابه بها النظام الناصري الجماعة وقيادتها، ما دفع الإخوان لاستحداث فكر العنف والتكفير، وكيف أن الجماعة تبرأت منه في مرحلة لاحقة. لكن الباحث المدقق في أدبيات الجماعة سيكتشف زيف هذا الادعاء، ويدرك أن فكرة استخدام القوة والعنف تعتبر من الأفكار الجوهرية التي نهض عليها بنيان المنهج الذي وضع لبناته الأساسية ومنطلقاته الرئيسية المرشد المؤسس البنا، وأن الخلاف بينه وسيد قطب لم يكن سوى خلاف في التوقيت والأسلوب وليس في المبدأ والفكرة. ويقول بابكر إن فكرة استخدام القوة عند الإخوان المسلمين تستمد مشروعيتها من المفاهيم والعقائد التي قامت عليها الجماعة وتأسست عليها مبادئ الدعوة، وهي تصورات تجعل من العنف ضرورة لازمة وأمراً لا غنى عنه في سبيل الوصول للحكم وتطبيق المنهج الرسالي/ الكوني للجماعة الذي يطمح للسيطرة على العالم. يبدأ المرشد المؤسس التبرير لفكرة استخدام العنف بشرح ما أسماه نظرية «السيف في الإسلام»، والتي يوضح فيها أن الإسلام انتشر بالقوة من أجل هداية البشرية الضالة، ويقول: «وما كانت القوة إلا كالدواء المرّ الذي تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملاً ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها، وهكذا نظرية السيف في الإسلام، فلم يكن السيف في يد المسلم إلا كالمشرط في يد الجراح لحسم الداء الاجتماعي». ثم يمضي ليجعل من مطلب الوصول للحكم «ركنا من أركان الإسلام» و«إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». وإذا كان من الطبيعي أن يمثل الوصول للسلطة هدفاً لجميع الأحزاب السياسية التي تسعى لتطبيق برامجها، فإننا في حالة الإخوان المسلمين لا نتعامل مع حزب سياسي يؤمن بالديموقراطية والانتخابات كوسيلة لإدراك الحكم، بل نحن إزاء منظمة تسعى بكل الوسائل لتغيير الحكومات التي لا تطبق الإسلام كما تفهمه وتقره وتنادي به، وكيف أن الديموقراطية حسب رأي البنا، نظام تافه! ومن أحاديثه يتبين أننا إزاء رجل لا يؤمن بالديموقراطية كنظام للحكم ولا الأحزاب كمنظومات سياسية للتنافس، ومع هذا يعتقد أن الوصول للحكم هو ركن أساسي في الدين كالصوم والصلاة، وحيث إن الوصول للحكم لا يجري إلا بالطرق الديموقراطية أو العنف، وطالما أن الإخوان لا يؤمنون بالأولى، فهذا معناه أن ليس أمامهم غير العنف سبيلاً للحكم، خصوصا أن البنا يؤمن بأن تقاعس المصلحين الإسلاميين عن الوصول للحكم يعتبر جريمة «إسلامية»، ولتجنب الوقوع في الجريمة فإن عليهم استخلاص الحكم «عنوة» من أيدي الحكومات التي لا تنفذ أوامر الله. ويستخلص الباحث في أن البنا يقرر بوضوح لا لبس فيه بأن جميع الحكومات القائمة لا تطبق الإسلام كما تفهمه جماعة الإخوان، ولهذا السبب فإن الجماعة لن تتورع عن استخلاص الحكم من أيديها، وكل الوسائل، بما فيها العنف مشروعة، لأن ذلك فرض واجب التنفيذ ويمثل ركناً من الأركان التي لا يكتمل الدين من دونها بحسب فهمه.

***

نتمنى من بعض مدعي الفهم والفضيلة الرد على هذا الكلام الذي يبين بوضوح مدى تغلغل فكرة استخدام العنف والإرهاب في فكر الإخوان بدلاً من تهربهم من خلال وصف الآخرين بأنهم خبراء صرافة أو مدعي ثقافة أو من المستعينين بـ«قوقل»، وأن يردوا على سابق تساؤلنا عن معنى السيفين وكلمة «أعدوا» في شعار الإخوان؟

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top