كتبت لها وله

كتبت على مدى 30 عاماً تقريباً أكثر من 8 آلاف مقال، ولم أطلب من وراء ذلك منصباً أو مالاً، ولا جاهاً، وحتماً هناك من فعل مثلي. كتبت الكثير وخسرت الكثير؛ أموالاً وصداقاتٍ ومعارفَ، أو من كنت أعتقد يوماً أنهم أصدقاء ومعارف، وكدت أُسجن، كما تعرّضت حياتي وحياة أسرتي للخطر، وغير ذلك من سيِّئ الأمور ومتنوّع الشرور. ولو سألني أي كان عن سبب استمراري في الكتابة، بعد كل ذلك، لما وجدت جواباً مقنعاً، غير ما بين ضلوعي من عناد، ورغبتي في إبراء ذمتي، وإصلاح ما يمكن إصلاحه. ولو سألت نفسي عما استطعت تحقيقه طوال العقود الثلاثة من الكتابة لصعبت الإجابة، ولكني، بشكل عام، راضٍ عما قمت به، ومستمر ما دام بي عرق ينبض، وقلب يخفق، وفكرة أو رأي يطلب الخروج للعلن. كان الهاجس الأكبر الذي يقلقني منذ بدأت الكتابة اليومية هو هاجس أو هامش الحرية في وطني الصغير، الذي كان يوماً أكثر جمالاً. فمن دون الحرية لا يمكن للكتابة أن تستمر برونقها وفائدتها. ومن دون الحرية يختفي الابداع، فبالحرية تتضح الغوامض، ترتفع الاستار، وتنهار السواتر لتوسّع الطريق لشمس الحرية. كما أن بالحرية تزول الفوارق الدينية والجنسية والعصبية والقبلية، وغيرها، وتضمحل تماماً مع الزمن. بالحرية ندرك جميعا مدى أهمية هذه الفضيلة للفرد والمجتمع، وصعوبة العيش من دونها. لكن الحريات في وطني في تراجع، مع تراجع دور المؤسسات المدنية مقابل صعود دور المؤسسات الدينية، يحدث ذلك على الرغم من الشعبية التي أصبحت تلقاها الحريات والحقوق المدنية في الدول المجاورة. لا أدري، لماذا نحن بحاجة الى بناء مثل هذا المبنى الرهيب في حجمه وموقعه وشكله وتكلفته لوزارة مختصة بالشؤون الدينية، على الرغم من أننا مشبعون بهذه الأمور يوميا حتى النخاع، ونقوم في الوقت نفسه بالتضييق على كل صاحب رأي ومبدع وفنان، ونغلق المعارض ونصادر الكتب، ونقصص الأفلام، ونكسر الأقلام؟ لقد أقحمت هذه الجهات الدينية في كل أمر، وأصبحت بالتالي شبه مصونة من المحاسبة أو المراقبة، وهذا ما أحسن ضعاف النفوس استغلاله للإثراء من ورائه. فكيف يمكن فهم ما أعلنه مكتب وزير الدولة لشؤون الشباب، بالتعاون مع مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع، عن انطلاق دوري الإبداع الشبابي، الذي يتضمن عقد مسابقات في مجالات تخدم الجانب التكنولوجي والعلوم والرياضيات والفنون والآداب وفوق ذلك «القرآن الكريم» في جو من المرح؟ فما علاقة الفنون والآداب والعلوم والتكنولوجيا بموضوع ديني وقور؛ كالقرآن الكريم؟ ألا تقام سنويا عشرات مسابقات حفظ وترتيل القرآن في الدولة، ويُدعى إليها حُفّاظ ومرتّلون من كل أنحاء العالم؟ ما علاقة الإبداع بموضوع ديني راسخ؟ لدينا في الدولة عشرات مراكز تحفيظ القرآن ودور قرآن، وإذاعة قرآن وموجهون ومدرسون ومشرفون وجيش من المنظّمين والمرتّلين والمفسّرين، وأكثر مما هو مطلوب، فلِمَ نقحم التلاوة في برامج الإبداع التكنولوجي والتنمية والتخطيط والمنافسة في جوٍّ من المرح!

*** 

سأسعى لأن أكون اليوم أول الحضور في جلسة استجواب وزيرة الشؤون الأستاذة غدير أسيري، وهذه بالنسبة لي سابقة. وفي جميع الأحوال أعتبر الاستجواب الأكثر سوءاً في تاريخ البرلمان.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top