«أ.م».. وألوان حياتي

كالكثيرين، التقيت في حياتي بمجموعة كبيرة من جيلي ومن هم أكبر أو أصغر مني، وتأثرت بهم وتعلمت منهم. كان لجدي ووالدي دور في صقل شخصيتي وأخلاقي وطريقة تعاملي التجاري. كما كنت أسعد بلقاء رفاق والدي من أمثال محمود العوضي وأحمد الشميس والكابتن فلاح السمدان، وإبراهيم بوقريص. كما سعدت دائما برفقة عبدالمحسن مظفر وسمير رحال وهشام السلطان ونجيب الحميضي وحسن خاجه وغيرهم. كما أتاح لي عملي في البنك لقاء شخصيات كبيرة ومميزة من أمثال المرحومين علي البحر (بومرزوق) وجاسم الوزان (بوخالد)، إضافة لنوري مساعد الصالح، ويعقوب الجوعان، الذي أصبح صديق عمر أبدي، وغيرهم من الأحبة، ومنهم، على سبيل المثال لا الحصر، علي أحمد الجبر، والسفيران عبدالحميد البعيجان وجاسم بورسلي، ومن لا تسعفني ذاكرة السن المتقدمة في تذكرهم. لا أدعي الشرف والأمانة والاستقامة، فهذا ليس دوري، ولكني أعترف بأني تأثرت بالخصال الطيبة لكل هؤلاء، وجميل دورهم في حياتي، ولكن، ولأسباب تتعلق فقط بفضول الصحافي أو الروائي، أتمنى أن أشعر أو أعرف حقيقة مشاعر النصاب الأفاق المحتال أثناء قيامه بعملية نصب ما! هل يفكر حقا بتبعات ما يقوم أو سيقوم به؟ ماذا لو انكشف أمره، هل لديه خطة بديلة؟ وماذا عن الغرامات المالية وفرضية السجن والإساءة للسمعة الشخصية والأسرية؟ قد يصعب شرح العلاقة بين هذه المقدمة وموضوع هذا المقال، ولكني أشعر أن هناك صلة ما: قام «أ.م»، وهو مواطن ثري سبق أن تقلد مناصب عالية، وينتمي لأسرة معروفة، قام وابنه بعملية تزوير هي الأكبر والأغرب من نوعها في تاريخ أكثر جهة متهمة بالفساد، وهي البلدية! يمتلك «أ.م» ارضا في منطقة السالمية، حصل عام 2004 على ترخيص إقامة فندق عليها مكون من 20 طابقا، وبمساحة كلية تبلغ 24 ألف م2. انتهى المقاول من البناء، وحصل صاحب المشروع على كل الموافقات وتم توصيل التيار الكهربائي للمبنى. وفي فترة تالية تقدم المالك للوزير المسؤول عن البلدية طالبا موافقته على استخراج ترخيص بناء «بدل فاقد». وافق الوزير على طلبه لمكانته الاجتماعية والمالية. من دون الدخول في التفاصيل، اكتشفت بلدية أحمد المنفوحي، ومن واقع طلب إصدار فاقد، أن «أ.م» وابنه قاما بتزوير كل كتب الرقابة في البلدية وإنهاء الإشراف وإيصال التيار الكهربائي، ورخصة البناء. كما زورا توقيع كل الجهات الحكومية المعنية بغية إخفاء مخالفة بناء جسيمة. أحيل الأمر للمحكمة وصدر حكم بسجن أطراف القضية الثلاثة. قام هؤلاء باستئناف الحكم، وتاليا تمييزه، ولكن المحاكم الثلاث اتفقت على إدانتهما ليس فقط بسبب كفاية الأدلة، بل وأيضا لحجم المخالفة المبكي. فالترخيص الأصلي، المفقود، صدر على أساس مبنى من 24 ألف متر مربع، أما المخالفة فلم تكن ألفا أو ألفي مترا مثلا، ولا حتى عشرة أو عشرين ألف متر، بل كانت بحدود 35 ألف متر مربع، وهذا ما لم يحدث لا في زمن النصاب مادوف ولا زمن قيس بن الملوح. volume 0% أعود وأقول كيف يمكن لإنسان أن يرتكب مثل هذه المخالفة الفجة والفريدة في وقاحتها في تاريخ البلدية، ولا يبدي أي اهتمام بالأمر؟ من هنا جاءت رغبتي في تقمص شخصيته «أ. م»، ولو للحظات، لمعرفة حقيقة ما كان يشعر به وهو يقدم على فعلته تلك، فهل ألام على فضولي؟

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top