تلاشي وطن بالباراشوتات

ليس بإمكان أية دولة، مهما بلغ تقدمها، أن تكتفي بنفسها أو تتقدم من دون الاستعانة بخبرات وتجارب الآخرين، فما بالك بدولة متخلفة مثلنا. عملية الإسراع في التنمية تتطلب ليس فقط حتمية الاستعانة بالغير، والبدء من حيث انتهوا، بل وعدم تضييع الجهد والمال في اختراع العجلة. من هنا قامت وزارة التربية بالاستعانة بخبرات البنك الدولي في مجال التعليم وتطوير المناهج، وصرفت عشرات الملايين على عقد دراسة النظام التعليمي برمته، وقبل أن يبدأ تطبيق ما توصلوا له اختار وزير التربية السابق وقف عملهم وإنهاء عقدهم. وبالرغم من انتقاد البعض لاختيار البنك الدولي للقيام بتلك المهمة، فإن المهم معرفة أنه لم يكن الخيار الاول والأفضل، فقد تم الأخذ به لأنه يناسب درجة تدني مستوى الكفاءات في الوزارة! فكل مسؤولي الوزارة تقريبا غير مؤهلين، لغوياً وعلمياً، للتعامل مع مؤسسة تعليمية أكثر كفاءة من البنك، إضافة لما أبداه البنك من مرونة في تقديم الخدمة حسب ظروفنا، وهذا ما رفضته الجهات الأخرى الأعلى كفاءة. كما أن البيروقراطية الحكومية والتكلفة لعبتا دوراً في الاختيار. والأهم من كل ذلك ان العامل الرئيسي في تدني اداء وزارة التربية يكمن في المدرس وفي شاغلي الوظائف القيادية، هذا بخلاف تدني الثقافة التنظيمية السائدة في الوزارة، إذ إنها باختصار شديد ثقافة ريعية عشائرية وليست ثقافة أداء وإنتاج، وزيارة لبعض مدارس المناطق النائية وحتى الداخلية تعطي فكرة عن المستوى العام لمدارس الحكومة. يقول خبير تعليم كفء، أُبعد عن منصبه، لكي يشغله قريب نائب، انه لم يقابل أحداً في الوزارة استطاع تعريف مدخل الكفايات بدقة ووضوح، ومع هذا يصر طرف على العمل بالنظام ويريد آخر وقفه! كما أبدى الخبير شكوكه في وجود نموذج تعليمي يناسب الكويت في ظل المستوى المتدني لمعظم القيادات في الوزارة. كما أن مستوى كلية التربية في جامعة الكويت وهيئة التعليم التطبيقي في ما يتعلق بالكفاءات والثقافة التنظيمية، لا يتجاوز سقف مستوى الوزارة، المتدني أصلا. وفي جانب آخر، صرح أحد فطاحل اللجنة التعليمية في مجلس الأمة قبل شهر بأننا لسنا بحاجة الى خبرات خارجية لعدم قدرتها على فهم البيئة الكويتية، خاصة ان لدينا كفاءات وطاقات بشرية كويتية في هذا المجال! ولم يصرح الفطحل أين هي هذه الكفاءات، ومتى سيرفع الغطاء عنها، ومتى ستعدل المناهج المترهلة والمتخلفة على يدها؟ كما صرح مسؤول عن «تطوير التعليم» بأن الوزارة ستبدأ رسمياً من العام الدراسي 2020/‏2021 في اعتماد نظام المعايير بدلاً من الكفايات في مرحلتي الابتدائي والمتوسط، وأن دورات تدريبية ستقام للموجهين ورؤساء الأقسام والمعلمين ابتداء من شهر أبريل المقبل، ولكن تبين أن «مكتب التربية الدولي»، الذي يعد الهيئة التربوية الأولى في العالم، التي تُعنى بالمحتوى التعليمي، والأساليب واستراتيجيات التعليم والتعلّم من خلال تطوير المناهج الدراسية في الدول الأعضاء في اليونيسكو، سبق أن أكد في دراسة تقييمية لمنهج الكفايات أنه لا يناسب الكويت، والسبب يعود الى عدم وجود بيئة تمكينية مدرسية تتعلق بالخطة الدراسية، وعدد الحصص والطلبة في الفصل، كما ان البرامج التدريبية للمعلمين والموجهين ليست كافية، وبالتالي العيب ليس في نظام الكفايات بل فينا. من كل ذلك نرى أن وزارة التربية تعيش في ضياع كامل، وهي التي يقع عليها كامل الاتكال وكل الأمل في انتشالنا من تخلفنا. ولا أدري لماذا أكتب أو أتوقع الأفضل طالما ان حال التعليم هو حال كل شيء آخر في وطني الصغير الذي يتلاشى شيء منه كل يوم.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top