rقنديل محمد المنسي

كدت أن اختار «علي»، و«نور الله» عنوانا لهذا المقال، ولكن الأول غلب! القنديل هنا هو الذي يحمله الروائي محمد المنسي بيد، ممسكا بيده الأخرى قارئ روايته «قمر على سمرقند»، مستهدياً بنور القنديل في تعريفه بأحداث روايته الرائعة التي تقع غالبية أحداثها في منطقة شاسعة من وسط آسيا، وهي منطقة قلما اهتممنا بها وبشعوبها وبثقافاتهم وأصولهم ومدنهم وتقاليدهم، واكتفينا بكونهم مسلمين، وأنهم سيبقون هكذا، وبالتالي كفينا أنفسنا والآخرين شر القتال والمعرفة.

محمد المنسي ينقل قارئ روايته بين دروب وحواري طشقند وعشق آباد المتربة ومدن وقرى دوشنبه وبخارى المتعبة، وطرقات ومساجد وأضرحة سمرقند، و«ألماأتا» وخوارزم المقدسة، ويدفع القارئ إلى أن يلهث خلفه يريد معرفة مصير بطل روايته الدكتور «علي»، وشخصية الرواية الأسطورية، طالب المدرسة الدينية والمفتي بعدها والعاشق أبداً، «نور الله»، وصديقه الثائر «لطف الله»، ثم ينتقل بالقارئ بعدها إلى القاهرة، لنعرف سبب رغبة «علي» الملحة في زيارة تلك المنطقة الساحرة والمجهولة من عالمنا، وكل ذلك يجري بدقة وجمال أسلوب محمد المنسي، ووصفه الحي بحيث تشعر وكأنك تشاهد عرضاً حياً لأحداث سابقة، وليس حروفاً جامدة على الورق، فالرواية برمتها رحلة عبر زمن ومكان لا نعرف عنهما الكثير، وفي منطقة مرت بإرهاصات وضغوطات لا تحصى، بحيث مسحت هويتها القديمة وجعلت من ثقافات شعوبها خليطا غريبا حائرا بين إسلاميته القديمة، وشيوعيته الغابرة، ودكتاتوريته البائسة الحالية!

رواية «قمر على سمرقند» رواية غير عادية في قالب وزمن غير عاديين، وبالرغم من أنها صدرت قبل أكثر من سنتين، فإنها مازالت تلقى الرواج نفسه تقريباً، وتقع في أكثر من 500 صفحة، لا تود أن تنتهي من قراءتها، ولكن تشوقك لمعرفة مجرياتها تدفعك، رغماً عنك، إلى أن تقلب صفحاتها الواحدة بعد الأخرى بلهفة لكي تنهيها، وقد تكون هذه الرواية الأولى من نوعها في الأدب المصري، وربما العربي، بتميزها بكل ذلك العمق التاريخي والسرد القصصي من دون إنهاك القارئ بتفاصيل كثيرة ومملة، وأحداثها تغطي الحقبة السوفيتية لبلاد ما وراء النهرين من آسيا الوسطى، وما بعد تلك الحقبة، واستقلال دولها، ولو صوريا، بعد أن سيطر رجال مخابرات العهد السابق على مقاليد الحكم في غالبيتها.

رواية ننصح بقوة بقراءتها، وهي متوافرة في مكتبات بيروت والقاهرة، وسبق أن فازت بأكثر من جائزة أدبية مرموقة، وطبعت لأكثر من مرة، ولدينا نسخة «إلكترونية» لمن يريد.

الارشيف

Back to Top