أصوات العقلاء.. وبكاء السخفاء!

ماذا سيكون رد الفعل لو أعلنت، عن طريق مختلف وسائل التواصل، عن مشاهدتي لفيل يطير خلال ساعات منع التجوُّل؟ غالباً لن يلتفت أحد لكلامي، فالفيلة لا تطير. وماذا لو أرسلت رسالة ثانية، بكيت فيها بحرقة، طالباً من وزير الإعلام إرسال طاقم التلفزيون لتصوير الظاهرة؟ هنا أيضاً لن يلتفت أحد لطلبي. لكنني لو كررت الرسائل وبكيت أكثر فغالباً سيقوم رجل عاقل، ورئيس مجلس أمة سابق، بالخروج عن وقاره، ويصدق روايتي، ويطلب، لأول مرة منذ سنوات، من وزير في الحكومة، التدخل، لأنه صدَّق أنه من الممكن أن يطير الفيل! المأساة لا تقف هنا، بل تمتد إلى تجاوب وزير الإعلام مع طلب الرئيس السابق وتكليف طاقم تصوير عالي المستوى، في هذه الظروف الشديدة الصعوبة التي نعيشها، ليستخرج لهم تصاريح التجوُّل، ليقوم بزيارة حديقة الحيوان، وتصوير الحادث المعجزة!

* * *

هذه ليست رواية خيالية، بل تصوير صادق لما حدث قبل أيام، عندما أعلنت معالجة روحانية وعشبية، ومن مؤلفاتها «علاج الخلافات الزوجية بالنباتات، وكتاب علاج السحر والحسد بالنباتات» (!!) أعلنت، وهي تشهق في دموعها، أنها توصلت إلى علاج لوباء الكورونا، وأنها تطلب مقابلة وزير الصحة. في خضم كل هذه المعاناة التي نعيشها والمسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقه، قبل معالي الوزير الطلب، وكلف فريقاً، بينهم طبيب أو أكثر لمقابلتها، وخرجت المعالجة من الاجتماع مبتسمة، لتصرح بأن إنتاج الدواء، أو اللقاح (هكذا بكل خفة) سيبدأ قريباً. لا أدري كيف صدق كبار رجال الدولة ومسؤوليها أن مَن لم تدخل كلية طب في حياتها بإمكانها صنع دواء لمرض فشلت كل مختبرات ألمانيا وروسيا والصين واليابان وأميركا وفرنسا وبريطانيا وغيرها في صنعه؟ كيف لوزير بمستوى فهم وزير الصحة وعقله، أيقونة الحكومة، يضيع وقته في ترتيب مقابلات واجتماعات وتسليم وتسلُّم ملفات اختراع دواء للكورونا، وتصوير وابتسامات؟

* * *

أعلن أحد الولاة عن جائزة لمن يعلِّم بغلته كيفية القراءة، ومن يفشل سيقطع رأسه. غامر عدد من البلهاء للقيام بالمهمة لكنهم فقدوا رؤوسهم، وبعد فترة تقدم جحا للوالي بعرض تعليم بغلته القراءة شريطة أن يتسلَّم قيمة الجائزة مقدماً، وأن يمهله الوالي خمس سنوات، لأن المهمة صعبة. قبل الوالي شَرطَيِّ جحا، وخرج هذا يجر البغلة وراءه وسط ضحك الأهالي لغبائه، وعندما وصل البيت سألته زوجته عن سبب فعلته فقال لها: «قد طلبت قيمة الجائزة لأستمتع بالمال الآن، وليتكلم الكل عني فأصبح شهيراً! وخلال فترة السنوات الخمس، إما سيموت القاضي، فلا تقطع رقبتي، وإما أموت أنا، وإما أن تنفق البغلة!».

* * *

تصديق مثل هذا الادعاء، وعشرات الادعاءات المماثلة الأخرى كانهيار الوضع في إيطاليا، وموت الملايين في الصين، وإن الكورونا عقاب الرب للكفار، تدل على مستوى التفكير في مجتمعاتنا، حتى من النخبة. اعترفت بأنني حزنت لموافقة وزير محترم، وطبيب معروف، يكن الجميع الاحترام له، الخضوع للضغوط، أيا كان مصدرها وتضييع وقته ووقت الوزارة في مثل هذه الأمور، بعد كل باهرِ إنجازاته؟ volume 0% لا يبدو أننا تعلمنا شيئاً من الدروس المريرة السابقة، أو سنتعلم شيئاً من الدرس المرير الحالي، وأتمنى أن أكون على خطأ. ملاحظة: كان بإمكان هذه المدعية تقبيل أي مصابة بالكورونا، ومن ثم معالجة نفسها، ليصفق لها 8 مليارات من البشر في وقت واحد، وتصبح أغنى امرأة في العالم.

* * *

يا معالي وزير الإعلام: لعلمك، رفض تلفزيون الكويت طلب إجراء مقابلة معي، بصفتي رئيس جمعية خيرية، غير صفتي ككاتب صحافي وروائي. وفتح الباب مرات في الوقت نفسه للمشعوذين وللمدعين والمزورين، من أنصاف المتعلمين.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top