العقل.. ولأول مرة

تكمن مهمة العقل الأولى في إبقاء صاحبه على قيد الحياة، فحالات الإغماء المفاجئة ورفض الجسم فقدان وزنه أحيانا هي غالبا تحدث بإيحاءات من العقل، وبالتالي فإن كل التصرفات التي تقوم بها الحكومات للتصدي لوباء الكورونا نابعة من الرغبة في البقاء على قيد الحياة. مع دخول العالم في مرحلة وباء كوفيد - 19، غير المسبوقة، فقد أصبحنا نلاحظ أمورا كثيرة تحدث «لأول مرة»! فلأول مرة في التاريخ يصبح تعبير «لأول مرة» بهذا الانتشار والشيوع في كل أنحاء العالم، بلا استثناء. ولأول مرة تصدر الصحف، وفي أي منطقة في العالم، وليس بها إعلانات تجارية، إلا ما ندر، فما فائدة الإعلان ولا أحد بإمكانه التسوق. ولأول مرة، منذ آلاف السنين، وفي أي بقعة في العالم، يرى العالم كل هذا العدد من العاطلين عن العمل في السلك الديني. ويقابله، لأول مرة في التاريخ، كل هذا الهبوط في الأعمال الفنية من غناء ورقص. ولأول مرة، وعبر العالم تغلق كل المعابد أبوابها، ويمنع المتعبدون من ارتيادها. ولأول مرة في تاريخ البشرية، يتوقف الارتفاع في استهلاك الكحول وارتياد البارات، مع إغلاق أبوابها أمام روادها. ولأول مرة في التاريخ، يتوقف تماما نشاط أقدم مهنة عرفها الإنسان. ولأول مرة في التاريخ، يهبط استهلاك المخدرات والمؤثرات العقلية للحضيض نتيجة وقف حركة التهريب، وإغلاق الموانئ البرية والجوية والبحرية، وشح الأموال. ولأول مرة في تاريخ الكويت، يتوقف كل شيء تقريبا عن التطور، عدا طرقها التي اصبحت أفضل. ولأول مرة نكتشف أن بالإمكان استعانة مختلف الوزارات بنظام الـpaperless، أو عدم استخدام الأوراق الرسمية، في إنهاء المعاملات عن طريق الـ«واتس أب» والإيميل، دون الحاجة لحضور صاحب المعاملة. ولأول مرة نكتشف أن من الممكن أن تسير أعمال كل وزارات الدولة بـ20 أو 30 في المئة من حجم القوة الحالية. ولأول مرة منذ مئة عام ينخفض سعر البترول لهذا المستوى، ويباع سلبا، أي يقوم البائع بتسليم الشحنة للمشتري مجانا، ويعطيه فوقها مبلغا من المال مقابل كل برميل، ليتخلص من مشكلة التخزين. ولأول مرة نكتشف مدى عظمة نظرية ألبرت آينشتاين في النسبية، فكل عادة أو أمر كنا نعتقد بأهميته وحيويته وضرورته، أصبح فجأة، ولأول مرة في حياتنا، غير مهم ولا ضروري ولا حيوي، ويمكن بسهولة تحمل غيابه او فقده. ولأول مرة تتوقف مئات ملايين الطائرات والسفن والمركبات والقطارات عن الحركة. ولأول مرة خارج فترات الكساد، تصل فيها معدلات البطالة في العالم اجمع لهذا المستوى. volume 0% ولأول مرة تتوقف الأحقاد ويقل الحسد في كل انحاء العالم، وتتوقف النميمة بين الأفراد نتيجة لتوقف الاحتكاكات اليومية بين البشر ويتوقف تنافسهم على المناصب والصفقات. ولأول مرة تتعرض دولة في التاريخ لكل هذه الشرور والمضايقات والمعارك السياسية الداخلية المنهكة، وتبقى عملتها الخضراء سيدة عزيزة ومرغوبة. ولأول مرة في تاريخ البشرية يعمل كل علماء العالم، دع عنك توافه مصنع الحنة ومدعية العلاج بالأعشاب، لإيجاد علاج أو مصل وقاية من وباء الكورونا. ولأول مرة يجد ملايين العاملين أنفسهم بلا دخل من دون أن يطردوا من وظائفهم! ففي أميركا وحدها وصل العدد المسجل للعاطلين عن العمل الى 26 مليونا. لأول مرة في التاريخ تولي البشرية كلها وجهها نحو العلم والعلماء، واضعين أملهم فيهم، بعيدا عن القوميات والعصبيات والمذهبيات والعقائد والمعابد. ولأول مرة تندم البشرية جمعاء، والدول المتخلفة بالذات، على ما صرفته من مال كبير على زخرفة دور العبادة ورفع سقوفها، وفي الوقت نفسه التقصير الرهيب في الصرف على العلم والعلماء والتعليم.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top