كارل بنز جديد

ما ان مرت فترة قصيرة على استعانة كارل بنز، قبل 130 عاما تقريبا، بالبترول لإدارة محركات سياراته حتى بدأ الانهيار السريع لاستخدامات الفحم والبخار وحيوانات الجر والنقل! ويبدو الآن أن سيناريو بنز سيتكرر، وإن بطريقة معاكسة، فقد بدأ العد التنازلي في فقد منطقة الشرق الأوسط، والخليجية النفطية، بالذات، التي عجزت طوال 75 عاماً عن خلق أي مصادر دخل بديلة، أهميتها للعالم مع كل هذا الانحدار في أسعار النفط نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي وارتفاع تكلفة الاستخراج، مع ما صاحب ذلك من زيادات هائلة على رواتب موظفي هذه الدول وارتفاع مصاريف حكوماتها، هذا غير مساوئ الفساد الحكومي والإداري. وقد زاد الطين بلة السعي الحثيث لدول صناعية كثيرة لتخفيض اعتمادها على وقود النفط واستخدام بدائل له، وهذا حتما سيؤدي لزيادة الاضطراب السياسي في دول المنطقة وزيادة أعباء حكوماتها! وفي هذا السياق، صرحت السيدة أماني بورسلي، (الوطن، 6/24)، وزيرة التجارة والصناعة السابقة، كدأب كل من سبقها بالتحذير بعد الاستقالة، محذرة من خطورة الوضع الاقتصادي، وأن الانهيار قادم. كما دانت إقدام الحكومة على سد عجز الموازنة بـ «الاقتراض» من صندوق الأجيال القادمة! وسبق تصريحها ما ذكره وزير الخارجية السابق، الشيخ محمد صباح السالم، (القبس 6/19)، من ضرورة وقف الهدر المالي، وأن السياسة المالية الراهنة يجب الا تستمر، ويجب وقف طريقة الإنفاق العام! ولكن الشيخ محمد، بعكس أماني وغيرها من المسؤولين، قص الحق من نفسه واستقال، وإن لأسباب لا علاقة لها بخطورة وضعنا الاقتصادي والمالي القابل للانهيار! يحدث ويقال كل ذلك والسواد الأعظم من الكويتيين لا يدركون الخطر الداهم الذي تواجهه موازنة الدولة، وبالتالي ينادون بالمزيد من الهبات والعطايا! ويطالب آخرون «أكثر ذكاء» بأن تذهب المشاريع الحيوية، الطويلة الأمد، للجحيم، فـ «ثقافتهم» لم تعرف يوما ما يعنيه «طويل الأمد» بل طويل العمر، وهم يريدون شرب الماء قبل ان يتبخر وأكل الكلأ قبل ان يجف، ولا شأن لهم بمشاريع داو وماو ولا حتى بغيفارا أو حسني البرزان، وهؤلاء، في غالبيتهم، نتاج تربية مدارس حكومية فشلت، على مدى نصف قرن، في أن تخلق منهم مواطنين مدركين لما تعنيه المواطنة ومسؤولياتها! وزاد من إصرار «الجماهير» على أن تحصل الآن على حصتها من الكيكة، وليس غدا، ما يرونه من فساد ونهب لثروات البلاد عيني عينك، وهو النهب الذي بلغ ذروته في فترة غزو واحتلال الكويت، عندما شفط بضعة أفراد بضعة مليارات من الدولارات من مال الدولة من خلال تعاملات مشبوهة، وساهموا فوق ذلك في خسارتها لما يماثل ذلك في استثمارات فاشلة، ومن يومها، وحنفية السرقة لم تتوقف عن الصب، وبعدها لم يحاسب غير رأس أو رأسين صغيرين، وفلت البقية وغيرهم من العقاب! وهنا نرى أن الحكومة مدانة حتى العظم، ونحن مدانون أكثر منها لفشلنا، على مدى 40 عاماً على الأقل، في تكوين جبهة وطنية تكون ناصحة ومرشدة لها من جهة، ومتصدية لها، إن تطلب الأمر ذلك، في حال انحرافها عن مسيرتها!

وبانتظار ظهور كارل بنز آخر نضع أيدينا على قلوبنا فزعا على مستقبلنا ومستقبل كل الأجيال القادمة، فالدولة في خطر، وكل من يحاول التهوين من ذلك واهم واهم يا ولدي.

الارشيف

Back to Top