خطورة «أبو عسم» على أمن الدولة!

تتنوع وتختلف أسباب بقاء البشر أحياء في الحياة، وعدم لجوئهم إلى التخلص من حياتهم عند مواجهتهم للمحن والأزمات القاسية من شخص إلى آخر حسب الميول والتربية والمستوى الثقافي وثقافة المجتمع. فمن الصعب مثلاً تخيل حدوث حالات انتحار بين سكان المجتمعات البدائية في مجاهل أفريقيا أو غابات الأمازون. وبالرغم من أن الدولة أو حكومات الدول لا تختلف في ما تضعه لنفسها من أهداف عن الأفراد، فإن مسؤوليتها أكبر وأكثر تعقيداً. فالمجتمع بحاجة إلى حكومة تديره، وتوفر له الغذاء والأمان والتعليم والعدالة والرفاهية والصحة العقلية والجسدية، والأهم من كل ذلك أن تخلق منه إنساناً منتجاً وسعيداً، وفشل الحكومة في تحقيق ذلك يعني فشلها في مهمتها الأساسية. في ضوء كل ذلك، يصعب فهم قرار الحكومة، أو موافقتها من مسألة حيوية تتعلق بزيادة فترة الحبس الاحتياطي للمتهمين من أربعة إلى أربعة عشر يوماً في دولة محكومة أمنياً بشكل جيد، خاصة أن الأيام الأربعة كافية للتحقيق مع أي متهم، وبالإمكان تجديدها.

***

كان لا بد من هذه المقدمة قبل التعليق على خبر إلقاء القبض بطريقة متعسفة على المغرد «أبوعسم»، الذي لا أعرف عنه غير أنه ليس بالمتوحش شكلاً ولا بالمتطرف فكراً، وكان من الممكن جداً استدعاؤه للمثول أمام سلطات التحقيق، إلا إذا كان الغرض إهانته وتحطيم كرامته، وهذا ما كان يجب أن تقبله حكومة سمو رئيس الوزراء. جريمة «أبوعسم» تتمثل في قيامه بنشر تغريدة تتضمن صورة فتاة، وفوقها نص ديني نسمعه أثناء السفر على الطائرات ومضمونه شكر الخالق على نعمه! ولا نجادل هنا في مخالفتها لقوانين النشر، ولكنها نشرت قبل ستة أشهر، فأين كان من اتهمه بالإساءة كل هذا الوقت، علما بأنه لم يعرف عن المغرّد يوماً الانتماء لأي جهة إرهابية أو متطرفة في مواقفها، وسلاحه قلمه وميدانه النقد والسخرية؟ حبس المغرد «أبوعسم» لأربعة عشر يوماً خطأ وتعسّف غير مبرر، ونشكر النيابة العامة التي أمرت بإطلاق سراحه، فهو يبقى في النهاية مواطناً مسالماً، وقد يكون ارتكب خطأ بنظر السلطة، ولكنه لا يستحق تعريضه للإهانة وصحته للخطر، وكرامته للمسح. قانون الحبس الاحتياطي لأربعة عشر يوماً يحتاج إلى مراجعة، ومع الأسف غالبية نوابنا «مو بصوب» القوانين الإنسانية. مواطنو هذا الوطن الجميل، أو ما تبقى من جماله، يستحقون إنسانية أكثر ورحمة أوسع.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top