إيران والعالم بين الإلحاد والتدين

أثبتت تجارب عشرات الدول، وخاصة الدينية أو الاشتراكية والشيوعية، أن التطرف العقائدي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد أو يمكن من خلاله بناء المواطن الصالح الذي يمكن الاعتماد عليه في إدارة الدولة. فتخيير الناس بين الإلحاد المطلق أو التدين المطلق أو النبذ مجتمعيا، خيار أثبت عقمه، ويكون له غالبا رد فعل مدمر. وقد رأينا كيف انهارت دول رفضت المرونة. وبالتالي من الضروري ترك قضايا العقيدة الدينية للأفراد وشأنهم، وقد رأينا التداعيات السلبية نتيجة فرض نظم شمولية في المعسكرين السوفيتي والصيني، وغيرهما، وكيف تغيرت أوضاعها إلى الأفضل بكثير مع انفتاحها على العالم ومنح المواطن حريته في التصرف بحياته. كما تبين، بعد أربعة عقود من النظام الديني الشمولي في إيران، كيف أصبح الوضع عليه. فقد أظهرت نتائج استطلاع رأي أجراه مركز «كمان» للاستطلاعات أن نحو نصف المواطنين الإيرانيين تحولوا عن التدين. وأن %32 فقط يعتبرون أنفسهم «مسلمين شيعة». وأجرى مركز «كمان» هذا الاستطلاع تحت عنوان «رؤية الإيرانيين للدين»، حيث جرت المحاولة بأسئلة لا يمكن طرحها بحرية في البيئة الإيرانية الراهنة بسبب القيود القائمة. وأجري الاستطلاع المذكور خلال شهر يونيو الماضي، وشارك فيه أكثر من 50 ألف شخص، يعيش %90 منهم في إيران. وتعكس نتائج استطلاع الرأي وجهة نظر الأشخاص المتعلمين الذين تزيد أعمارهم على 19 عامًا، أي ما يعادل %85 من البالغين في البلاد. واعتبر المركز أن مستوى الثقة في نتائج هذا الاستطلاع عالية، وقابلة للتعميم على جميع سكان إيران، حيث بينت النتائج أن 78% من الإيرانيين يؤمنون بالله، ولكن 26 في المئة فقط يعتقدون بظهور المهدي المنتظر، وهذا أحد معتقدات الشيعة الرئيسية. كما أشارت النتائج إلى أن %32 من المجتمع يعتبرون أنفسهم «مسلمين شيعة»، في حين أن %9 يعتبرون أنفسهم ملحدين، ونحو %22 يعتبرون أنفسهم لا ينتمون إلى أي من الاتجاهات الدينية. كما غيّر %6 منهم دينهم لآخر. كما أعلن نحو %60 أنهم لا يؤدون الصلاة، وهذا صحيح بشكل كبير بشهادة الكثير من المراقبين. وبينت نتائج استطلاع الرأي أن %68 يعتقدون أن الأحكام الدينية لا ينبغي أن تكون معيارًا للتشريع حتى لو شكل المتدينون أغلبية البرلمان. وأن المؤسسات الدينية يجب أن تدفع تكاليفها بنفسها، كما يفضل %42 منع الدعاية للأديان. كما تعارض نسبة كبيرة تدريس التعاليم والواجبات الدينية في المدارس لأبنائهم. وأظهرت نتائج الاستطلاع أن أكثر من %73 يعارضون الحجاب «الإلزامي»، علما بأن %58 لا يعتقدون بالحجاب أصلا. وبالرغم من استمرار حظر بيع وتناول المشروبات الكحولية في إيران منذ أربعين عاما، فإن الاستطلاعات جميعها تشير إلى أن نحو %40 من الإيرانيين يتناولونها، ونسبة كبيرة أخرى لديها الميول نفسها ولكنها عاجزة عن الحصول عليها.

***

يدير مركز «كمان» لاستطلاعات الرأي كل من عمار ملكي، أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة تيلبورغ في هولندا، وبويان تميمي عرب، أستاذ مساعد بفرع الأنثروبولوجيا الدينية في جامعة أوتريخت الهولندية.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top