يوم فقدنا الإحساس بالجمال

عند وقوع تمرد أو عصيان تقوم الحكومات عادة بإرسال أكثر رجال الأمن بطشا للقضاء عليه. وعندما تشكل الثقافة خطرا على المجتمع، فلا أفضل من إرسال من لا صلة له بالثقافة ليقضي عليها! وكان غوبلز، وزير الدعاية أو الإعلام النازي، يقول: عندما أسمع بمثقف أضع يدي على مسدسي!

***

كان هناك نائب باهت، به صفات الماء، دون خواصه وفائدته. اشتهر محليا وإقليميا عندما طالب الحكومة، كنائب في مجلس الأمة، بمنع دخول «جلال الدين الرومي» لإلقاء محاضرة في الكويت، لمعاداة النائب لمواقف الرومي الصوفية! معارضته للزيارة شكلت خبرا في نشرات أخبار ذلك اليوم في أكثر من قناة عربية واجنبية، لأن «جلال الدين الرومي» سبق أن توفي عام 1273!!

***

طول باع النائب في ميدان الثقافة لفت انتباه الحكومة، فعينته عام 2016 وزيرا للأوقاف والبلدية، ونقلته في تعديل لاحق ليصبح المسؤول الأول عن الفن والثقافة والأدب، فوق كونه وزيرا للإعلام، وحامل لحقيبة وزارة الشباب إضافة لمسؤوليته عن هيئة الزراعة، فجمع مجد الثقافة والعلف والشباب تحت إبط واحد! وكما كان متوقعا فقد شهدت الثقافة في عهده تراجعا مخيفا، ومات الفن تقريبا على يده، أما الأدب فمكانه أصبح معروفا في البيت، وأصبح من يتابعون الإذاعة والقنوات التلفزيونية الحكومية في تناقص مستمر، واختنقت إبداعات معروفة طالما اشتهرت بها الكويت، كمجلة العربي وفرقة التلفزيون وإصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي أصبحنا، منذ سنتين، لا نسمع له أو عنه خبرا سارا. كما أصبحت كافة مباني وزارة الإعلام خاوية من أية إضافة جديدة، ولا تفعل شيئا غير صرف الرواتب. لا يتسع المجال للحديث عن منجزات الوزير السابق «محمد الجبري» في بقية مسؤولياته في الزراعة والشباب، فهي معروفة. ولكن يجب أن نشهد له موافقته على منح إحدى الشركات ترخيصا لفتح محل بنشرجي وتبديل زيوت السيارات في منطقة سكنية، من خلال استقطاع جزء من حديقة المنطقة، الصغيرة أصلا! وبالرغم من سخف القرار وضرره على البيئة فإنه لا أحد تقريبا في حكومتنا الموقرة احتج على القرار، ولا حتى سكان المنطقة السكنية!

****

نعود لمقدمة المقال ونقول إننا لا نلوم الوزير الذي تم اختياره ليكتم أنفاس الوطن الثقافية، وهو الذي كانت حقيبة الأوقاف «تخب عليه»! ولكن نلوم من فرضه علينا لأربع سنوات، وهو يعلم تواضع قدراته، أو هكذا يفترض! ونتمنى أن تكون الحكومة قد تعلمت من الدرس، أو هكذا يفترض.

***

سُئل العقاد، هل الفنون من ضروريات الحياة؟ فأجاب: بوسع الضرير أن يعيش 70 عاما دون بصر، ولكنه سيهلك بدون رغيف بعد 7 أو 70 يوما! ومع هذا لم يقل أحد أن الرغيف أهم من البصر! فقيمة الشيء لا تتعلق بمقدار الحاجة له، بل بقدر ما نصبح عليه إن حصلناه. فالرغيف يساوينا بالمليارات من الأحياء، ولكن تحصيل الجمال لا يجعلنا أجدى فحسب، بل بشرا مميزين ضمن أمة مميزة، تحس وتحسن التعبير عن إحساسها. وهذا ما ميز فرنسا عبر التاريخ، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.

***

بفضل البعض، فقدنا البوصلة وفقدنا ما كان يميزنا طوال عقود، كوطن ومواطنين!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top