هل تسمعونني؟

يبدأ الطفل حياته بالبكاء، وهو البكاء الوحيد الذي يسعد والديه، وبعدها يصبح مصدر إزعاج أو قلق وحزن. وسيحتاج الطفل بعد ولادته لحفاظة، ويكون «خروجه» مصدر سعادة لأهله، ثم مع الوقت يصبح مصدر قرف!
يتقدم الإنسان في العمر ويبدأ وضعه الصحي بالتدهور، فيقلل من المخاطرة ويحسب حساب كل خطوة، ويتجنب الألعاب الخطرة، والأسطح الملساء، ويكتشف فجأة أنه أصبح بحاجة لنظارة، وبعدها بسنوات يكتشف أنه بحاجة للراحة وللنوم ساعات أكثر، ولاستخدام عصا، وتتبع ذلك حاجته لسماعة لتقوية سمعه، قبل الانتقال لمرحلة استخدام كرسي متحرك، والعودة للبداية وارتداء حفاظة.
***
اكتشفت قبل أسبوع أن الطنين الذي كنت أسمعه في أذني منذ سنوات، قد ازداد وأصبح مصدر إزعاج!

قمت بمراجعة طبيب أذن وأنف وحنجرة، وتبين من التخطيط حاجتي لسماعتي أذن، وأن ذلك «قد يساهم» في اختفاء الطنين، أو التقليل من قوته... بعد بضعة أشهر.

حملت التقرير للصديق «حسن سعادات»، صاحب أقدم مختبر سمع في الكويت، فنصحتني الاختصاصية، نيلوفر بكائي، بوضع سماعة أميركية، كونها الأفضل لحالتي.
***
اعتقدت أنني سأدخل مركز السمع وأخرج بسماعتين، وأسمع على الفور بطريقة أفضل، وسيختفي الطنين، ولكني كنت واهماً، فالأمر كما تبين أكثر تعقيداً، وأنني بحاجة أولاً لصنع قالب حماية، يناسب حجم فتحة الأذن، وأن أنتظر قبول المخ للسماعات، وهذا يتطلب الانتظار بضعة أشهر، وربما بعدها يختفي الطنين.

كما تبين بالبحث أن من يود تركيب سماعة أذن عليه تحمل مشقة حفظها وتنظيفها وإجراء الصيانة الدورية عليها، وتغيير بطارياتها، أو شحنها، وتقبل منظرها، وما تعنيه من وجود «عاهة» لدى مرتديها. كما لا يجوز النوم بها أو تعريضها للحرارة والماء، خصوصاً أن سعرها ليس بالقليل، ويتجاوز في بعض الحالات سعر سيارة صغيرة جديدة.

كما يتطلب الأمر تغيير بعض العادات كتجنب غسل الوجه، وهي على الأذن، فقد يتسرب الماء إليها، ويتلفها. كما يصعب معها أحياناً لبس النظارة أو ارتداء الكمامة، وغير ذلك من متاعب.

كما يجب ارتداؤها في اليوم الأول لساعة فقط وزيادة ساعة كل يوم، بعيداً عن الضوضاء، مع التحدث مع النفس لكي تتعود السماعة على ذبذبات صوت صاحبها، وتعديل التردد في نظام التصفية، إن تطلب الأمر ذلك.

والأهم، فإن تأجيل استخدام سماعة الأذن، لمن يحتاجها، قد يساهم في تدهور سمعه أكثر.
***
باختصار، الحياة قصيرة وفيها الكثير من المنغصات والمتاعب والأمراض والإخفاقات، ولكننا نصر عليها، لشعورنا بعدم ضمان ما سيأتي بعدها، فحتى أكبر رجال الدين وأكثر البشر إيماناً، يتشبثون بالحياة حتى الرمق الأخير، وفي سبيل ذلك يستعينون بأفضل الأطباء وأكثرهم شهرة، ويشترون أثمن الأدوية، ويستخدمون أغلى غرف العناية المركزة في أفخر المستشفيات ليبقوا في هذه الدنيا لبضعة أيام. وعليه، يجب علينا جميعاً أن نتعلم كيفية التأقلم مع الأمور والعيش بسعادة.
***
تقول الممثلة الرائعة ميريل ستريب: تجاعيد وجهي هي نتيجة دهشتي أمام جمال الحياة، فما يوجد منها حول فمي هو نتيجة ابتساماتي وضحكاتي. وحتى البقع السوداء حول عيني فإنها تخبئ خلفها ذكرياتي الحزينة.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top