سري للغاية

من مظاهر عدم رضا الأمم عن حكوماتها السعي إلى التشنيع عليها بالنكت، ونشر الأخبار والإشاعات، الصحيحة والكاذبة عنها، وتسريب مستنداتها وأوراقها السرية، وفضح أفعالها غير القانونية، وغير ذلك من أعمال سلبية.
تزايدت لدينا، في السنوات الأخيرة، هذه الظواهر مع ازدياد عدم الرضا الشعبي عن حكومتنا، ومنها تسريب مراسلاتها الخاصة، وبالذات التي تحمل تحذيراً بأن مضمونها سري، أو سري للغاية، هنا تصبح مسألة التسريب مغرية أكثر.
***
يقول الزميل والصديق سامي النصف إن لجنة تشكلت في الستينيات في الكونغرس، برئاسة السيناتور باتريك موينهان، للنظر في الوثائق التي دوّن عليها «سري وسري للغاية»، ومدى الحاجة لذلك، فتبيّن لها، كما ورد في لقاء تلفزيوني، أن %90؜ من مراسلات ووثائق الحكومة الأميركية التي تحمل ذلك التحذير لا تستحق السرية، ومن ثم ألغيت عن الرسائل.

في عصرنا الحالي، ومع وجود الكاميرا في جيب كل موظف وفرّاش وعامل نظافة ومراسل، فإن التأشير على أي مستند بالسرية ما هو إلا دعوة لتصويرها وتوزيعها، فلا أسرار يمكن أن تحفظ متى ما طبعت الرسالة على الورق وأعطيت رقماً ووزعت.
***
انتشر قبل أيام «تعميم» صادر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء مؤشر عليه «سري للغاية»، موجّه إلى وزير الخارجية، وربما صدر ما يماثله لبقية الوزراء، تضمن طلباً بضرورة الحصول على إذن كتابي وموافقة الديوان الأميري المسبقة قبل وضع أية صور أو مجسمات أو جداريات في الأماكن العامة، تمثل القيادة العليا.

وتضمن الكتاب «السري جداً» طلب عرض الأمر على مجلس الوزراء لتعميمه على كل الجهات المعنية، والتقيد بمضمونه.
***
أولاً: طالما أن كتاب الأمانة العامة وصف من قبل كاتبه بأنه «تعميم» فهذا يلغي صفة «سري للغاية» عنه.

ثانياً: هذا الأمر صدر لكي يعرف به كل أفراد الأمة، مواطنين ومقيمين، فهو موجه لهم كيلا يقوم أحدهم مستقبلاً بوضع صور أو مجسمات للقيادة، من دون أخذ إذن كتابي من الديوان الأميري، فكيف يكون سرياً للغاية؟

ثالثاً: وضع إشارة «سري جداً» أو سري للغاية على بعض المراسلات الحكومية هو من موروثات النظم الإدارية العربية الدكتاتورية، ولا ينسجم مع متطلبات وظروف العصر، وبالتالي يتطلب الأمر من الأمانة العامة لمجلس الوزراء الإيعاز لمختلف الجهات الحكومية التقليل ما أمكن من استخدام هذا المصطلح.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top