«العربية» والبن واليمن والتخيلات

على الرغم من كل مزايا وسائل التواصل، فإنها وضعت سلاحاً بيد مجموعة من محبي الشهرة، خاصة السذج وأنصاف المتعلمين منهم، وبينهم انطوائيون ومعقدون وقليلو الكلام، لكن نجدهم يفرغون كل عقدهم ورغباتهم على وسائل التواصل، في كل ما يعن على بالهم من أفكار وهلوسات، لا يستطيعون الحديث عنها، علناً!
* * *
في فيديو حديث تطرق مواطن خليجي لسخرية الإنكليز من إطلاقنا لأسماء غريبة على منتجاتهم، وذكر مثالاً لاسم محلي يطلقه مواطنو دولة خليجية على نوع شهير من السجائر، ورد قائلاً بأن حتى الإنكليز يفعلون الشيء ذاته مع «منتجاتنا»، فقد أطلقوا على القهوة اسم «كوفي »coffee، والسبب أن هذه المادة كانت تصدرها لهم، قبل ألف عام، عائلة الكافي اليمنية، في كراتين مدون عليها اسمهم، فأطلقوا اسم العائلة اليمنية على القهوة!

لا شك أن البعض صدق روايته، بالرغم من خطأها، فالعالم أصلاً لم يعرف علب الكرتون إلا قبل أقل من 150 سنة، فكيف وجد قبل 1000 عام، يوم كان اليمنيون لديهم تجارة تصدير لبريطانيا؟

يقال إن الأوروبيين تعرفوا على القهوة كشراب لأول مرة بعد أن ترك الأتراك خلفهم الكثير من أكياسها، أثناء انسحابهم مهزومين وفشلهم في فتح النمسا. وكان الأتراك يسمونها kahve، ويبدو أنها تحولت مع الوقت إلى caffè في الإيطالية، وcafé في الفرنسية، والإنكليزية coffee، وهكذا، وبالتالي فإن مصدر الكلمة يعود الى قهوة العربية، والتي كانت في الأصل تعني النبيذ، أو أي نوع آخر من المشروبات، وبالذات المصنوعة من حبوب البن. لذلك كانت القهوة، وحتى وقت قريب، محرمة في مناطق عدة من الجزيرة العربية.
* * *
استمر الشخص نفسه في روايته المضحكة ناصحاً ومطالباً متابعيه التمسك بلغتنا العربية، والفخر بها، لكن في سعيه لتعزيز مكانتها في عيوننا، أورد مجموعة من الترهات التي تطلب الأمر توضيحها، فلغتنا قد تكون الأعظم بعيوننا، لكن غالبية شعوب العالم لديها الفكرة نفسها عن لغاتها. وكما أخذنا منهم كلمات، فقد أخذوا منا أيضاً، وهذا دأب كل الشعوب القريبة لبعضها، جغرافياً وثقافياً أو دينياً.

وقد تكون «العربية» أعطت لغيرها أكثر مما أخذت، بسبب العاملين الديني والسلطوي اللذين نتجا عن الغزوات أو الفتوحات الإسلامية، بالذات، إلا أن هذا أضعفها كثيراً وجعلها لغة فقيرة بالمفردات، وصعبة التعلم. كما أن الأصول الدقيقة للغة العربية غير واضحة، بخلاف انتمائها لشجرة اللغات السامية، كالعبرية والآرامية السريانية، مع اتفاق علماء اللغات أن «العربية» الحالية أو لغة القرآن، ظهرت، بشكل عام، في القرن السادس الميلادي، وكان للإسلام دور في انتشارها وتوحيدها للهجات الجزيرة، لتصبح لغة الدين هي السائدة، وبالتالي امتدت للثقافة والعلم والتجارة.

يعود ضَعف اللغة العربية لأسباب سياسية ودينية. فمن جهة لا جهة عربية واحدة، بيدها تطوير اللغة أو على الأقل إدخال كلمات جديدة عليها، ومن جهة أخرى هناك محاذير عدة تمنع تطوير اللغة وتسهيل تعلمها، وتمنع دخول كلمات جديدة عليها. فليس مهماً ولا مصدرَ فخر القول إن «العربية» بها مئة اسم للناقة وما يماثلها للسيف أو للأسد، فهذا ليس ثراءً بقدر ما هو زيادة لا معنى لها. كما من المبالغة الفجة، كما ورد في حديث الأخ، القول إن %80 من اللغة الفارسية الدينية من «العربية»، أو أن كل دول أوروبا أخذت عشرات آلاف الكلمات من لغتنا، وأن الإنكليز أخذوا 30 ألف كلمة من العربية، ولو حاولوا التخلص منها لاضطروا لإغلاق مدارسهم ومراكز أبحاثهم، فهذه أقوال مضحكة، فعدد كلمات العربية أصلاً قليلة جداً، مقارنة بغيرها، ومن الغريب الادعاء قوله إن التفاهم بين شعوب الأرض ما كان ليتم دون وجود كلمات عربية في لغاتها، فـ«العربية»، مثل اللغات الأخرى، بها كم كبير من الاشتقاقات والتركيبات والتصريفات، بينما «الإنكليزية»، على سبيل المثال، بها ثروة من الكلمات التي لا مرادف لها في الكثير من اللغات، ومنها العربية، خاصة تلك المتعلقة بعلوم الطب والفضاء والكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، وغيرها من علوم حديثة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top