المسلسل.. ولا تزر وازرة..!

تدهورت في السنوات الأخيرة أمور كثيرة، وكانت الأعمال الفنية والثقافية والأدبية من ضحايا هذا التدهور، فهبط مستوى الإبداع، نصّاً وتمثيلاً، ورأى البعض أن ذلك الانحدار تمثّل في مسلسل «زوجة واحدة لا تكفي»، كونه يسيء لسمعة المجتمع الكويتي، «الطاهرة»، علماً بأن إنتاجه وإخراجه تما بالكامل في الخارج. وحرص من قاموا بذلك على عدم إيراد أية علاقة بأحداث المسلسل أو ربطه دراميا بالمجتمع الكويتي، بخلاف لهجة بعض ممثليه.

دفعت الضجة حول المسلسل الجهات «الرقابية» في وزارة الإعلام إلى إحالة كل من شارك فيه، كتابة وإنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً، وعددهم 14 فناناً وكاتبة المسلسل، للنيابة، وستكون للقضاء العادل كلمته.

ما جرى لاحقاً كان مثار استغراب البعض، حيث اختارت «الإعلام» تنصيب نفسها كخصم وحكم، فأوعزت، بناء على قرار إحالة المشاركين في ذلك المسلسل للنيابة، للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، باتخاذ قرار متعسف بعدم إجازة أي عمل فني «مستقبلاً»، يضم في فريق عمله أياً ممن سبق أن عملوا، أو كان لهم دور في مسلسل «زوجة واحدة لا تكفي(!!). فتأثرت مسرحية الأطفال «في زين الزمان» بقرار الوقف، بحجة أن بعض المشاركين فيها سبق أن شاركوا في المسلسل المسيء!

ما حدث، في نظر البعض، شكّل إساءة لدور الفنان، وبيّن قلة إدراك المجلس الوطني للفنون لدوره، عندما قام باللجوء إلى العقاب الجماعي، والإضرار بمن لا علاقة له بإنتاج المسلسل المسيء، فكيف نكرر، في أدبياتنا، بألا تزر وازرة وزر أخرى، ولكن عندما يأتي الأمر لتطبيق هذه القاعدة الإنسانية، تصبح المسألة مزاجية؟

لذا نتوجّه إلى الأخ وزير الإعلام لحل هذا الإشكال المُفتعل من داخل الوزارة غالباً، وتوجيه المسؤولين للتفرّغ لتحسين جودة الأعمال، وإثراء الساحة بالعروض القيمة، وتقديم البديل الفني الهادف.
* * *
السؤال: ماذا لو برّأ القضاء منتجي ومخرجي وممثلي مسلسل «زوجة واحدة لا تكفي»، من التهم الموجهة لهم؟ وهذا وارد كون المسلسل من إنتاج وتمثيل أجنبي؟ وماذا لو رفع هؤلاء دعوى تعويض على الجهة الحكومية المعنية، التي أضرت بسمعتهم؟
* * *
قامت قريبة لي، قبل سنوات، بالتطوّع للعمل مع جمعية نسائية، سبق أن خصصت رقماً هاتفياً أرضياً للرد على المكالمات، غير معروفة المصدر، التي ترد الجمعية، وتتعلق بما يتعرّض له البعض من أحداث، وبعد أسبوع أصيبت قريبتي بالصدمة، وتركت المهمة، بسبب ما سمعته من أمور لم تكن تتخيل وجودها أو حدوثها في مجتمعنا، الذي يعتقد البعض أنه فاضل جداً!

نحن جزء من هذا العالم، والأقرب إلى المجتمعات، التي تعرّض أفرادها لهزات أسرية شديدة نتيجة تحوّل حالهم إلى حال أخرى في فترة قصيرة جداً. كما أن الثروات الطائلة التي هبطت على الكثيرين غيّرت النفوس، وحللت في أعين المحرومين كل حرام، وساهمت المخدرات، ونقص التوعية المجتمعية والمدرسية، وانتشار الجهل، في اتساع رقعة كل الموبقات.

إن كل محاولات «تأديب» من يسعى إلى تسليط الضوء على حقيقة «أخلاقيات» مجتمعاتنا، محكوم عليها بالفشل. والحل يكمن في المواجهة العلمية والعصرية لهذه المشاكل الخطرة والقاتلة، وليس إنكار وجودها!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top