تحركات داعشية كويتية

تحركت إدارة جامعة الكويت استجابة لما أثير على وسائل التواصل عن قيام أحد أعضاء هيئة التدريس بالتشكيك في القرآن، وقالت إنها ستتخذ إجراءاتها.
وانبرى عدد من النواب، من «طالبانيي الاتجاه»، للقضية وطالبوا بتوقيع «أقصى العقوبات» بحق الأكاديمي، وفصله من عمله. كما طالب آخرون مجلس الأمة بالتحقيق في الموضوع، متناسين جميعا النص الذي يقول: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، ووردت فيه نصوص تشدد على أهمية احترام الدين والرسل والكتب المقدسة، لكن لم ترد فيه أية على عقوبة من يخالف ذلك، بل أعطي أهمية للرحمة والعدالة وعدم الظلم، والنصح بالصبر والتسامح والتعامل بالرفق مع الآخرين حتى لو تعرضوا للإساءة أو الإهانة.
* * *
لا أدري حقاً لماذا لم تفر قطرة دم أي من هؤلاء «الغلاة» على كل الانتهاكات الأخرى في الدولة، وجبال المشاكل التي يرزح الشعب تحتها، من مالية وأخلاقية وتعليمية واقتصادية، وتفرغوا جميعاً للنيل من أستاذ لا يعرف غالبيتهم حقيقة تهمته، وكأنهم أسماك قرش تبحث عن فريسة سالت دماؤها!
* * *
بدأت القصة مع قيام مدرّسة جامعية، عرف عنها نشاطها في مراقبة ما يصدر عن زملائها من أقوال، ببث شريط فيديو تقول فيه إنها تتكلم من منطلق «دفاعها عن الله عز وجل»، ولا أدري من كلفها ذلك. وقالت إن زميل لها تهجم على الدين أمام طلبته، ثم أوردت تفاصيل دقيقة لا يذكرها غالبا حتى الطلبة أنفسهم!
* * *
ما يتعرض له هذا الأستاذ من هجوم وحملة بغيضة، ذكرني بمحاكم التفتيش الأسبانية، وبما تعرض له علماء في إيطاليا من أمثال جوردانو برونو، الذي صدر عليه حكم بالحرق حياً، فقط لأنه أيد اكتشاف جاليليو لحقيقة كروية الأرض وأنها ليست مركز الكون.

لست في معرض الدفاع عن الأستاذ الجامعي ولا أعرف حتى ساعة كتابة هذا المقال اسمه، دع عنك صحة ما نسب له من أقوال، لكني حزين لما يتعرض له الصرح الجامعي من ابتزاز وانتهاك وتعد. وكان حريا بتلك السيدة اتباع الطرق الرسمية للإبلاغ عما نما لعلمها عن زميلها، وليس اللجوء للإعلام والتشهير به، ومن الضروري بالتالي التحقيق معها، ومطالبتها إثبات صحة ما نسب لها من أقوال، فالبينة على من ادعي، وعلى الجامعة تفعيل المادة 108 من قانونها، وبغير ذلك ستكون هذه بداية محاكم التفتيش.
* * *
توقيع أية عقوبة على الأستاذ «المتهم» سيجعل كل أساتذة الجامعة تحت رحمة قوى التخلف والردة، الداعشية، ولن يسلم أستاذ مستقبلا من طالب سمع كلمة، أو رغب هو وزملاؤه في تلفيق تهمة على أي منهم، لأي سبب كان، وبالتالي سيبقى سيف التشهير مسلطاً على رؤوسهم، علماً بأن مستوى الجامعة في تدنٍ مستمر، ومثل هذه المحاكمة، إن جرت، ستزيد من سوء مستواها، بعد أن سمح لكل هذه الأطراف التدخل في شؤونها.

من سخرية القدر تصدي تلك المدرّسة، ومتسلق آخر يحمل مثلها شهادة «دكتوراه» للدخول في مناظرة عامة مع الأستاذ «الملحد» (هكذا) للرد على أخطائه! وهذا اتهام لم تثبت صحته أصلاً. كما أن مقترحهما يمثل قمة السخافة، ويشبه قبول الدخول في سباق سيارات مع عسكري يقود سيارة شرطة، فالخسارة محققة في الحالتين. فسرعته محددة بالقانون لا يستطيع تجاوزها، في الوقت الذي يمتلك فيه الشرطي تجاوز كل حدود السرعة، وبالتالي ستكون مناظرة ضيزى!

هؤلاء إما انهم يشكون من أمر ما، أو انهم على يقين بأن وعي الأمة غائب تماماً!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top