الصدمة الصينية
أحرزت الصين نقطة مهمة وخطيرة في سباقها مع الولايات المتحدة في ميدان «الذكاء الاصطناعي»، مع نجاح شركتها الصغيرة وشبه المجهولة deepseek في كسر هيمنة الشركات الأمريكية على سوق الرقائق، ونجاحها في توفير المعلومة بسعر متدن جداً، مع حاجة أقل بكثير لاستخدام الطاقة، بعد أن بذلت أمريكا جهوداً كبيرة لمنعها من الحصول على الرقائق من كبار منتجيها في العالم، وقد أصيبت صناعة الذكاء الاصطناعي الأمريكي بالهلع من التقدم الصيني، مع بلوغ خسائر أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية لتريليون دولار.
لم يقتصر الأمر على ما يمكنه برنامج الذكاء الاصطناعي الصيني من القيام به، بل ونجاحه المبهر في تحقيق ذلك التفوق في وقت قياسي وقوة أعلى، مع تكلفة لا تذكر، في حين أن نماذج شركات، مثل openai، سبق أن دفعت 100 مليون دولار، للتدريب فقط، ونماذج الشركة الصينية، كما تدعي، جاءت بأقل من 6 ملايين دولار، وتحتاج فقط إلى 2000 رقاقة ذات قوة أقل بكثير، ورخيصة الاستخدام، بحيث يمكن توفيرها للمستخدمين مجانًا.
لقد بنت شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى نسختها الخاصة، وأحاطتها بسور عظيم من الحماية، وفرضت عقوبات مشددة وشاملة على الشركات المصنعة للرقائق، لمنعها من بيع التكنولوجيا، التي تعتبر ضرورية للذكاء الاصطناعي، على الشركات الصينية. وقد نجحت هذه العقوبات لفترة، ووصفها ليانغ ونفنغ، مؤسس شركة ديب سيك، بأن الوصول للرقائق مثّل التحدي الرئيسي لجهوده.
كان رد فعل الولايات المتحدة مثيراً، وبيّن مدى هلعها مما يحدث، واضطرار إدارة ترامب لتوفير مئات المليارات من الدولارات للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، للاحتفاظ بالتفوق في هذا الميدان الشديد الحيوية، وخاصة الاستثمار في البنية الأساسية للمراكز، ولا تستطيع أي دولة أخرى أن تضاهي ذلك، ولكن هناك مؤشرات تبيّن أن الصين تحقق من خلال deepseek تفوقاً مستمراً على منافسيها في أكثر من ميدان من ميادين الذكاء الاصطناعي، ونجاحها أعطى الشركات الأوروبية، والبريطانية بالذات، التي كانت قد فقدت الأمل في أن تكون لاعبة في ميدان الذكاء الاصطناعي، دفعة أمل في أن يكون لها دور مستقبلي ما.
هناك جانب مخيف في هذه الحرب التقنية، فلو هجر مستخدمو برامج الذكاء الاصطناعي الأمريكية لمنافستها الصينية، فستشكل هذه الهجرة ضغوطاً هائلة على الأخيرة، ولن تستطيع توفير الخدمة لمئات ملايين المستخدمين، بسبب القدرات المحدودة لحجم كمبيوتراتها، وهذا ما حصل، فقد أوقفت ديب سيك تسجيل الراغبين الجدد، مع تباطؤ خدماتها، وهذا ما لا تشكو منه البرامج الأمريكية، التي تمتلك كمبيوترات ضخمة.
ليس من السهل التنبؤ بمستقبل أو نتيجة هذا السباق، الذي سينتهي حتماً لمصلحة البشرية (!!) بسبب سرعة المتغيرات، خاصة مع وجود إمكانية ضئيلة في أن تتمكن الصين من الوصول للكمبيوترات الضخمة، وقلب الطاولة على أمريكا.
يحدث كل هذا الصراع والفوران العلمي، ونحن مكتفون بالجلوس على قارعة الطريق بانتظار..غودو، صمويل بيكيت، الذي ربما لن يأتي أبداً!
أحمد الصراف