شكراً بيبي نتانياهو

منذ حرب 1967، وحتى حرب أكتوبر 2023، الأطول في تاريخ إسرائيل، وربما الأطول في تاريخ الشعب اليهودي، كنت على يقين بأن إسرائيل ستكتفي بما حصلت عليه من «أراضٍ فلسطينية»، وربما ستتخلى عن بعض مستوطناتها، إن حصلت، مقابل ذلك، على السلام الدائم، والتعايش مع دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وما عزّز تلك القناعة تكرار انسحاب إسرائيل من كل الأراضي، التي سبق أن احتلتها في حروبها، باستثناء الجولان، لكن كل ذلك تغيّر مع السابع من أكتوبر، فقد ظهر الوجه القبيح لإسرائيل، كما ورد في مقال الكاتب توماس فريدمان، عن وجود وزراء ينتمون إلى سلالة أقلية مقموعة منذ زمن طويل في التاريخ اليهودي، ويمثلون الصراع العميق في التراث اليهودي بين مَن يؤمنون بأن جميع البشر خُلقوا على صورة الله، وبالتالي يوجد ما يُسمى «بالإنسانية»، وأقلية تُجادل بأنه لا وجود للإنسانية في حدِّ ذاتها، بل هناك فقط «نحن» و«هم»، وعلى اليهود التغلّب على إنسانيتهم، لكي تكون لهم السيطرة! ونتانياهو لم يكتفِ فقط بتمكين أسوأ السيئين في حكومته، فحسب، بل سعى في الوقت نفسه إلى تحريرهم من سلطة القانون، وسحبها من حرَّاس إسرائيل التاريخيين، المستقلين والأخلاقيين!
مع هذا التغيّر الهائل في الموقف الإسرائيلي، وظهور الأطماع اليهودية التاريخية على السطح، أصبح من الضروري القيام بشيء ما، لوقف هراء أو حلم «إسرائيل الكبرى»، الذي سبق أن روّجت له جهات، وآخرها تصريح الوزير سيموتريتش، الذي ذكر أن الضفة الغربية جزء من إسرائيل «بوعد إلهي»، وستتم مصادرة آلاف الدونمات، واستثمار المليارات لتوطين مليون يهودي في الضفة الغربية. ويأتي نتانياهو ليؤكد رسمياً أحلام إسرائيل التوسعية الخبيثة، وارتباط ذلك بضرورة احتلال المزيد من الأراضي، وأنه يجد نفسه «في مهمة مقدسة نيابة عن الشعب اليهودي»، وهي مهمة تاريخية وروحيّة مرتبطة برؤية إسرائيل الكبرى.

كالعادة، أدانت جامعة الدول العربية تصريحات نتانياهو، وعزمه اقتطاع أجزاء من أقاليم دول عربية، توطئةً لإقامة «إسرائيل الكبرى»، كما شارك الأمين العام لمجلس التعاون الجامعة إدانته الشديدة، واستنكاره لتصريحات نتانياهو، التي قال فيها إن مهمته أو حلمه يتعلق بالأجيال اليهودية، التي طالما حلمت بالمجيء إلى هنا، وأجيال غيرهم سيأتون من بعدهم. أما مصر والأردن، الدولتان المعنيتان أكثر من غيرهما بتهديدات نتانياهو، فقد اكتفيا بالتنديد، بأوهامه العبثية التي تعكسها تصريحاته، على الرغم من اتفاقيات السلام الموقعة بينهما وبين إسرائيل.

نعود إلى عنوان المقال، ونعيد شكر نتانياهو، الذي كفانا مؤنة الرد على كل الذين لم تنشف أقلامهم يوماً ولا أفواههم ساعة عن الإشادة برقي إسرائيل وجنوحها للسلام، وإننا عاجزون تماماً أمامها، وليس لنا غير الاستسلام والتطبيع معها، والاستفادة من تقدّمها في الكثير من الميادين، فجاءت تصريحات «النتن» لتشكّل صفعةً قويةً على وجوه هؤلاء المغيبين عن رؤية الحقيقة، أو المستفيدين من الترويج لسلام وهمي، والذين لم يتوقفوا يوماً، منذ سنوات، عن القول إنه لا أطماع لها في أيٍّ من أراضينا، حتى كانت، بنظرهم على خطأ، بسبب موقفها السلبي من التطبيع الغريب، الذي لن تجني منه أي دولة عربية.. شيئاً!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top