من المسؤول عن هذه المصائب؟
لو طبقنا قاعدة ربح ربح أو win win على أي مشروع حيوي لما وجدنا مثالاً جيداً كمشاريع معالجة مياه الصرف الصحي. فلو استعرضنا تاريخ تنفيذ هذه المشاريع، وبعض المشاريع الحيوية الأخرى، التي فشلنا في إنجازها، كالداو، وتلك التي تأخرنا في تنفيذها، فضاعف ذلك تالياً من تكاليف إنجازها، نجد أن وراء ذلك كان غالباً بعض «كبار المسؤولين»، إن بسبب قلة الخبرة أو الحسد أو انعدام الكفاءة. وهذا يذكرنا بقصة، أو طرفة، منح أمريكا مواطناً روسياً وساماً مع حق اللجوء السياسي، على الرغم من أنه لم يكن لا سياسياً ولا جاسوساً، وذلك لدوره في التعجيل في انهيار الاتحاد السوفيتي، عام 1991، حيث كان مسؤولاً عن التوظيف، حيث كان يقوم دائماً باختيار الأسوأ لشغل أخطر المناصب!
* * *
تحويل مياه الصرف الصحي، لمياه قابلة لمختلف الاستخدامات، وحتى للاستهلاك البشري، كما هو الحال في غالبية دول العالم، والغربية بالذات، من المشاريع البالغة الأهمية، لفوائدها البيئية والصناعية، وأرباحها المالية الكبيرة. ولدينا أربع محطات تعمل بكفاءة عالية، لكن رافق تنفيذها جبال من المشاكل والعراقيل والتأخير غير المبرر، بسبب البيروقراطية الكسولة، والمهلكة التي تسببت في ضياع مئات ملايين الدنانير هباء، لأسباب لا يمكن لعاقل تصديقها، وغالبيتها تعود لأمور شديدة التفاهة. وكمثال، فقد بدأ التفكير في مشروع أم الهيمان لمعالجة مياه الصرف الصحي عام 2008، وأعلنت الشركة أخيراً فقط البدء بالإنتاج الفعلي وتحقيق معدلات أداء جيدة. فما الذي أخّر التنفيذ 17 عاماً تقريباً، وتسبب في كل هذه الخسائر والتضرر البيئي الكبير، نتيجة رمي مليارات الأمتار المكعبة من المياه الملوثة في البحر، بحيث تحول وزن سمكة الميد من 100 غرام في المتوسط، لـ500 غرام!
سنفترض أن الأمر تطلب سنتين لتحضير المستندات، واختيار الشركة المنفذة، ومثل ذلك للحصول على موافقات ديوان المحاسبة، والمراقبين الماليين، وهيئة المشاريع المشتركة، وغيرها من الجهات المعنية بالمشروع من داخلية وكهرباء، وأشغال ونفط (والجهاز المركزي للمناقصات العامة، الذي أصبح أخيراً الأكثر كفاءة، بعد أن كان الأكثر بطئاً). إضافة لسنتي تأخير بسبب كورونا، وأربع سنوات للانتهاء من بناء كل مرافق المشروع ومن ثم بدأ الإنتاج، وبعد كل هذا تتبقى 7 سنوات لا نعرف كيف ضاعت، وغالباً بسبب إهمال أو تأخير أو تسيب أو عناد مديري هذه الجهات، وهذا لا يمكن لعاقل تقبله، مع العلم أنه تكرر مع عشرات المشاريع الحيوية الأخرى، ولأكثر من نصف قرن.
فكيف لمشروع يخلصنا من كم هائل من الفضلات، ويحمي البيئة الصحراوية والبحرية، ويحسن من نوعية الهواء، وفوق ذلك ينتج طاقة كهربائة، ومياهاً صالحة لمختلف الاستخدامات البشرية والصناعية والزراعية، وينتج مادة أساسية لحقن آبار النفط، وحتى للاستهلاك البشري، في مرحلة تالية، كما هو سائد في غالبية دول العالم، بخلاف ما ينتج عن المعالجة من «سماد عضوي»، وهو في نهاية الأمر مشروع مربح لكل أطرافه، ولكل مواطن ومقيم، دون استثناء، ومع هذا قُتل تأخيراً وأُنهك المعنيون به من المماطلة والتسويف، وربما دفعهم مرات عدة إلى لعن الساعة التي شاركوا فيها بذلك المشروع، بسبب موظف عاجز أو حاسد أو غير مؤهل.
الدولة بحاجة إلى تنفيذ العديد من المشاريع الضخمة، ومنها محطات معالجة مياه الصرف الصحي، مع التوسع العمراني، والزيادة المتوقعة في عدد السكان، وعليه نتمنى على مجلس الوزراء، الاهتمام بموضوع التأخير غير المبرر في إنجاز المشاريع الحيوية، التي لم ينتج تأخيرها غير الضرر.. للجميع.