السودان الحزين والنفيسي السعيد
كانت فترة حكم عمر البشير للسودان، برأي المراقبين كافة، وربما دون استثناء، الفترة الأكثر ظلماً وظلاماً في تاريخ السودان. فقد تسبب الرجل في وقوع كوارث خطيرة، ومظالم أخطر شملت السودان بأكمله، وخلقت نزاعات مسلحة، وأزمات إنسانية لا يمكن تخيُّل عمقها، نتيجة سوء الإدارة السياسية والاقتصادية للبلاد، خاصة بعد تورُّطه في حروب أهلية طويلة في الجنوب ومنطقة دارفور وشرقي السودان، سقط خلالها ملايين الضحايا والنازحين، وأوصل السودان المنكوب إلى وضعه المأساوي الحالي، الذي قرر العالم تجاهله، وعدم التفكير فيه، أو الالتفات له، بخلاف بعض الدول التي لها مصالح معدنية، فيها، وكانت أصلاً وراء تغذية حروبها الأهلية.
نتيجة للإجرام الذي بدر من البشير، بعد اتهامه في التسبب بفقد الملايين لأرواحهم، وفقد أضعاف أضعافهم لكامل ممتلكاتهم، وشمول شره بقية شعبه، فقد أدين دولياً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي والاغتصاب والتسبب في خلق أوضاع كانت الأكثر سوءاً في التاريخ، حيث هُجِّر قرابة 12 مليون سوداني من أماكن تواجدهم، نتيجة التصفيات العرقية والحروب والفقر المدقع، والمجاعة المتفشية، وغياب الأمن والخدمات وتفشي الأمراض، مع انهيار تام للبنية التحتية نتيجة الاضطرابات والقتل المستمرين، بخلاف الاغتيالات والاعتقالات التعسُّفية، واستخدام الأطفال كمقاتلين.
وصل عمر البشير، والإخوانجي حسن الترابي إلى الحكم في 30 يونيو 1989 عبر انقلاب عسكري أطاح الحكومة المدنية المنتخبة برئاسة الصادق المهدي، ليجمع تالياً كل السلطات بيده، وليحكم بقوة الاستبداد وبتأييد من الجبهة الإسلامية القومية التي خرجت من جماعة الإخوان المسلمين، واستمر في الحكم نحو 30 عاماً، قمع فيها المعارضة السياسية، وتوسَّع في الاعتقالات التعسُّفية، والتعذيب وقمع الحريات.
كما تميز حكمه بفرضه سياسات قمعية وتشدداً دينياً، غير مسبوق، وخسارة السودان لأكثر من 660 ألف كيلومتر مربع من أراضيه، مع انفصال جنوبه عنه، ونتج عن إجرامه واتهامه باقتراف إبادة جماعية صدور مذكرات اعتقال دولية بحقه، لينتهي حكمه بعد احتجاجات واسعة وحراك شعبي طاغٍ انتهى في 11 أبريل 2019 بالانقلاب عليه وسجنه، وهو حالياً يتلقى العلاج، تحت الحراسة، في مستشفى في منطقة مروي، شمالي البلاد، بعد تدهور حالته الصحية في المعتقل.
بعد كل هذا التاريخ السيئ والدموي، ولأن الدم الحزبي يحنُّ، فقد صرَّح المحلِّل السياسي عبدالله النفيسي، في لقاء أخير، ورداً على سؤال المقدِّم، بأن الإخوان في السودان نجحوا في انقلابهم، بقيادة البشير والترابي، والدليل أنهم حكموا السودان لثلاثين عاماً، وبنوا الجسور وافتتحوا الجامعات، ومدوا الكهرباء.. إلخ!!
تناسى النفيسي حقيقة أن طول فترة الحكم، خاصة إن كان النظام دكتاتوريا، لا تعتبر دليل نجاح. فقد حكم صدام العراق لثلاثين عاماً، ووصل حكم القذافي لأربعين عاماً، وتجاوز حكم الأسدين نصف القرن، فماذا كانت النتيجة؟!
أترك الجواب لكم.
بالمناسبة، لصاحبنا، محاضرتان، يقول في الأولى إن نهاية بعض دول الخليج، ومنها الكويت، برأي كودزمان، رجل الـ«cia»، الذي ذكره في مؤتمر عُقد عام 1992، ستكون عام 2020. وفي المحاضرة الأخرى ذكر القصة نفسها، ولكن تغيَّر اسم الرجل إلى أرون كاتس، ولتصبح نهاية الكويت عام 2025!
ولا يزال هناك الكثير، ممن يصعب وصفهم، يسيرون وراءه.
أحمد الصراف