«الغارمون».. والضبط والإحضار
أعلنت وزارة الشؤون في شهر مارس الماضي عن القيام بحملة لجمع أكبر قدر من التبرعات لسداد مديونية الغارمين، مع التركيز على مديونيات المساجين من المواطنين، ومن المسجلين في منصة «الشؤون» التي تقوم بحصر ديون هؤلاء، وتمنع تكرار سداد مديونية الغارم لأكثر من مرة!
مرت شهور أربعة، وكوني رئيس جمعية خيرية لها علاقة بالأمر، فقد قمت بالاتصال بأحد المسؤولين لإبداء شكوكي من وجود ما لا يسر، وأن هذه الحملات لا تَسْلَم غالباً من اللغط، وتشوبُها دائماً مخالفات، فطمأنني بأن الأمور «تحت السيطرة والمراقبة الدقيقة»!
انفجرت بالأمس فضيحةٌ تعلَّقت بتلقي أحد نشطاء السوشيال ميديا، ومن غير المعروف عنهم الإعسار، مبلغاً كبيراً سداداً لدينٍ عليه. كما أن ما دُفع له يزيد على الحد الأعلى المسموح سداده عن فرد. نفت «الشؤون» الواقعة، لكن الجهة التي نشرتها عادت وأكدتها، كما أن صاحب العلاقة، أو الفضيحة، قام بنفسه بالتظلُّم، عن طريق «رسالة اكس»، موجهة شخصية رسمية، على وجود تسريب لأسماء «الغارمين»، الذين تلقوا مبالغ من وزارة الشؤون!
من جهة أخرى، قام مواطن، من منطلق حرصه على حماية المال العام وصيانة أموال الزكاة، كونه عضواً في جمعية الهلال الأحمر، بتقديم بلاغ إلى هيئة مكافحة الفساد، بشأن ما شاب «حملة الغارمين» من شبهة تبديد لأموال الزكاة. وأن ما تم صرفه، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الفرز والتدقيق، لم يتجاوز كثيراً ثلث ما تم جمعه. وبما أن «جمعية الهلال الأحمر الكويتي»، كانت إحدى كبرى الجهات المتبرعة للحملة، إلا أن تبرعها شابه العوار، فالأموال التي تبرعت بها الجمعية سبق هي نفسها التي تلقتها الجمعية من المتبرعين كزكاة، دفعت لجمعية الهلال، ليتم صرفها على مستحقيها من الفقراء والمحتاجين من الشعوب المتضررة في مختلف دول العالم، إلا أن جمعية الهلال تبرعت بها لحملة الغارمين، من دون أخذ موافقة من دفعوا تلك الأموال من زكاتهم لكي تصرف على فئة معنية، خارج الكويت. أعتقد شخصياً بأن هناك شبهة مخالفة ويتطلب الأمر من «الشؤون» التحقق منها. كما من حق الجمعية العمومية لجمعية الهلال الأحمر مساءلة مجلس إدارة الجمعية، على صحة ذلك التبرع.
* * *
الطريف، أو بالأحرى، المبكي في موضوع حملة الغارمين، لهذه السنة، ما استجد قبل فترة قصيرة من إعادة تفعيل «الضبط والإحضار»، حيث كان السائد قبل ذلك قيام المواطن/ المواطنة بشراء سلع أو مواد غالية الثمن، تتسم بقدر عالٍ من الرفاهية، بطريقة التقسيط، ثم التخلف عن سداد أقساط تلك السلعة، أو السيارة، بعد بيعها و«تكييش» ثمنها، واستخدام المبلغ في شراء حقائب اليد الثمينة أو ساعات أو سيارات وغيرها، وهي تخاطب نفسها قائلة: «أقبض من دبش»!!
مع تفعيل «الضبط والإحضار» وقع هؤلاء في «المصيدة»، فتمت ملاحقتهم وسجن البعض منهم، بعد صدور أحكام عليهم، فجاءت الحملة فتشبثوا بها، بغية الخلاص مما تراكم عليهم من ديون، خاصة مع انطباق شروط الوزارة عليهم، كونهم مواطنين، ويشكون من الإعسار، وعليهم مبالغ مستحقة بموجب أحكام قضائية، ومعرضين لأن يتم القبض عليهم وحبسهم، في أية لحظة، وهذا ما مررنا به في جمعية الصداقة الكويتية!
يعتبر هذا العهد الأكثر حزماً منذ أكثر من سبعين عاماً، ومع ذلك لم تتوقف أو تتباطأ كثيراً وتيرة الفساد، مما يعني أن الانحدار الذي نراه هو نتاج تجذُّر الفساد، لسنوات طوال.
الحل ليس في العقاب، بل في مكان آخر.
أحمد الصراف