قضية استهلاك الكحول.. بعقل مفتوح

أعلنت وزارة الصحة عن ارتفاع حالات التسمم الناتجة عن استهلاك بعض «رقيقي الحال» مشروباتٍ كحوليةً ملوثةً بالميثانول، إلى 160 حالة، بينها 23 حالة وفاة، وعدد ممن فقدوا أبصارهم.

كتبت مرات عدة عن موضوع المادة 206 مكرر، التي عُدِّلت مع بداية عهد الكويت بالديموقراطية، حيث منع بموجب نصها، تناول المشروبات الكحولية في الكويت، وكانت لبعض «العقلاء» وجهة نظر مخالفة، لكن تم ترجيح ترك الأمر للمشرِّعين.

أُقرَّ المنع، مع فسحة تنفّس ضيقة، اتسعت بعد التحرير، مع تزايد أعداد السفارات الأجنبية، مسلِمة وغيرها، الراغبة في الحصول على حصتها من «الراشن»، والتصرف بها داخل السفارة أو خارجها، وطالبت أكثر من مرة بإلغاء مادة الحظر، وجعل الاستهلاك متاحاً ضمن فنادق الخمس نجوم مثلاً. لكن «عاداتنا وتقاليدنا»، التي عادة ما تنزوي خجلاً، بمجرد إقلاع الطائرة، كانت دائماً بالمرصاد لأي مقترحات بالتساهل، وغالباً من منطلق الرياء، أو الخوف من الانتقاد، لتكبر المشكلة، وتصبح مؤرِّقةً بالفعل، مع تزايد اللغط من أن استمرار المنع يصب في مصلحة المستفيدين من الوضع، وربما كان بينهم تجار ومهربو مشروبات، أو تجار مخدرات، فمن المعروف أن غياب الكحول يدفع غالباً إلى زيادة استهلاك المخدرات، كما أن رفع الحظر، وجعله متاحاً، سيضران بالمهربين.

مسألة السماح باستهلاك الكحول كانت تاريخياً قضية مقلقةً للكثير من دول العالم، فقد منعت أمريكا المشروبات الكحولية، في الفترة 1920–1933، مع السماح بتملكها، ضمن حدود ضيقة. وقد أثار القانون في حينه جدلاً واسعاً، بعد أن تبيّن شبه استحالة فرضه لغياب التأييد الشعبي، وتزايد عدد ضحايا المنع، إضافة إلى أنه كان سبباً رئيسياً في نمو العديد من المنظمات الإجرامية، ونشوء السوق السوداء، وفقد الكثيرين لأرواحهم وأبصارهم نتيجة تناول الأنواع السيئة منه. كما ظهر في فترة الحظر أحد أشهر رجال العصابات الأمريكيين، المدعو آل كابوني، وارتفعت نسب الفساد بين السياسيين ومنسوبي أجهزة الأمن.

وبالتالي علينا مناقشة حظر استهلاك الكحول بطريقة منطقية، فحادثة التسمم الأخير، التي كانت بحجم الكارثة الإنسانية، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، مع اتساع عمليات تهريب المخدرات.

التعلل باستمرار المنع بحجة أن «المجتمع محافظ»، لا تعني حقيقة شيئاً، فكل المجتمعات القريبة منا، تعتبر نفسها أكثر محافظةً منا، ومع هذا لم تمنع استهلاكه، ضمن حدود معينة، خاصة أن أرقام مدمني المخدرات بيننا في ازدياد كبير، وأعدادهم الرسمية تجاوزت الثمانين ألفاً، وهذ أقل بكثير من الحقيقة، ونصف أعداد هؤلاء مواطنون، كما أن أعدادهم بين المهربين والمروجين أيضاً بازدياد مخيف، على الرغم من الجهود العظيمة التي يبذلها رجال النائب الأول، وزير الداخلية، في مكافحة المخدرات، فقد ورث هؤلاء تركة ثقيلة بالفعل.

نحن بحاجة إلى عدد من أصحاب الأصوات العاقلة والجريئة في مجلس الوزراء لمناقشة هذا الموضوع، بعيداً عن الحساسيات، والمجاملات، وبعقل ونفسية منفتحين.

ملاحظة: أرسلت هذا المقال للنشر، وبعدها بيوم ألقت السلطات القبض على مواطنين، عسكري في «الداخلية» وموظف في «الجمارك»، يعاونهما مقيم فلسطيني، في محاولتهم تهريب شحنة مخدرات قيمتها 1.3 مليون دينار، وهذا الخبر يؤكد ما ذكرناه من تزايد تورُّط مواطنينا في هذه الجريمة الرهيبة!
* * *
يكتب منذ فترة، محاولاً استفزازي للرد عليه، غير عالم بأنني وغيري نعرف تاريخه، الوظيفي وحتى الأسري.. المشين..! وحتماً لن يحصل مني على رد، قد يسهم في إعادة شيء من الاعتبار الذي فقده للأبد.


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top